يبدوا أن موضوع تجديد النخب والخطاب في موضوع الأمازيغية سيطرح بحدة في القادم من السنوات لدى المهتمين بالمطالب الأمازيغية في أبعادها المتعددة. فليس الموضوع ترفا فكريا أو صراع أجيال بل تفرضه الشروط الموضوعية لتطور قضية وانتقالها من سياق الإقصاء إلى سياق الإعتراف، بعد نصف قرن من النضال والترافع. وهو ما جعل الحركة الأمازيغية تنتقل من البحث عن “شرعية المطلب” إلى البحث عن سبل “التنفيد الرسمي للمطلب”، بعد أن نال الشرعية بأسمى قانون في البلاد. ومن هنا يمكن التساؤل إن كانت مهمة الجيل المؤسس للحركة الأمازيغية قد تمت بنجاح بعد الإعتراف الدستوري بالأمازيغية لغة وثقافة وهوية. ومن خلال هذا المسار الذي دام عقودا تجددت دماء الحركة الأمازيغية بانضمام شباب، بعضهم كان مخضرما حيث عاش آخر مراحل الإقصاء وبداية الإعتراف، والبعض الآخر، ولد وترعرع في زمن الإعتراف، (بداية تدريس الأمازيغية، حضور تيفيناغ في الفضاء العام، وجود القناة الأمازيغية، وجود شعب وماسترات في الأمازيغية، الإعتراف الدستوري…)، ولا يرى في مرحلة الإقصاء وما صاحبها من تجاوزات إلا تاريخا، قد يشك أحيانا في مدى صحة أحذاثه. إنه جيل الثورة التكنولوجية والإنفجار المعلوماتي وسهولة الوصول للمعرفة. كما أن لهذا الجيل اهتمامات أخرى وقضايا تقض مضجعه وطموحات جديدة تتلاءم والسياق الذي يعيشه.
إن تقدم عمر الجيل المؤسس والجيل الثاني وظهور أجيال جديدة هو الذي سيفرض بالضرورة تجديد النخب المهتمة بالأمازيغية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنتج نفس خطاب الأجيال السابقة، كما أن ميكانيزمات عملها وأساليب نضالها ستتغير حتما. وعلى هذا المستوى سيطرح إشكال إيجاد قنوات التواصل بين هذه الأجيال : جيل يحمل وراءه تاريخا وتجربة نضالية تنتمي للزمن الماضي، وخطابا قد يبدوا للبعض “إصلاحيا”، وجيل يسمح له عمره وحماسته الشبابية ووضعه الإجتماعي بالتواجد في الميدان والميول للراديكالية في الخطاب من جهة ومن جهة أخرى البحث عن الإستفاذة مما يسمح به زمن الإعتراف المؤسساتي بالأمازيعية، خاصة إمكانية العمل التي ستوفرها الأمازيغية في بعض المجالات.
من خلال هذا التحول، ومع بداية جعل الأمازيغية مذرة للذخل في انتظار أن تسمح بنوع من الرقي الإجتماعي، سيصعب جعل الأمازيغية موضوعا لإنتاج خطاب إحتجاجي قابل للإستثمار السياسي فقط.
إن رهان الحركة الأمازيغية مابعد الإعتراف الدستوري بالأمازيغية وبداية مأسستها هو من جهة تطبيع العلاقة بين الأجيال المختلفة المتعاقبة على بنيتها الديمغرافية بشكل لا يبخس مكانة الأجيال السابقة ولا يحرم الأجيال الجديدة من إنتاج خطابها وصياغة مطالبها، ومن جهة أخرى الفهم الجيد لسياق مأسسة الأمازيغية ومعنى اعتبارها “لغة رسمية للدولة”، وما يتطلبه ذلك من تأن ووضوح وعزيمة وإرادة سياسية حقيقية تتجاوز النظرة التي تجعل من الأمازيغية مشكلا مزعجا إلى نظرة ترى فيها أحذ الحلول المساهمة في تحقيق دمقرطة الدولة والمجتمع وتحقيق التنمية المنشودة. وفي هذا الصدد، وفي إطار تجديد النخب والخطاب واستراتيجية العمل، فمكونات الحركة الأمازيغية مدعوة في سياق الإعتراف لإعادة التفكير في علاقتها بمحيطها الذي تشترك معه حل القضية الأمازيغية : مؤسسات الدولة، الأحزاب السياسية، باقي مكونات المجتمع المدني، الفعاليات الإقتصادية،….
وقد تكون أول خطوة في هذا الإتجاه هو فتح حوار داخلي بين مكونات هذه الحركة الممثلة لمختلف الأجيال والتوجهات.
مناقشة هذا المقال