مؤسسة تعليمية ساعة مغادرة التلاميذ لفصول الدراسة، وانت تشاهد جحافل التلاميذ من مختلف الأعمار، تضع يدك على قلبك و انت تفكر كيف لهذه الدولة أن تدبر مستقبل كل هذا العدد من الأبناء،
وفي الوقت نفسه تحمد الله على نعمة وعي المغاربة بأهمية تحصيل الأبناء، و قتاليتهم من أجل تدريس أطفالهم رغم الحوز والحاجة.
وإذا عدنا إلى البدايات، فبعد حصول المغرب على الاستقلال بسبع سنوات، أحدث ظهير 13 نوفمبر 1963، الذي ينص على إجبارية التعليم بالنسبة للأطفال بين سن 7 و13 سنة. كما جرى إحداث مجموعة من الإصلاحات في المنظومة التعليمية، أهمها خطة 1957– 1959، والمخطط الخماسي 1960 – 1964، وإصلاح 1980، إضافة إلى المخطط الخماسي 1992 – 1998.
لكن وانت تتابع هؤلاء التلاميذ تستحضر فئة أخرى ولجت الحجرات التمدرس، لكنها غادرته مبكرا حتى قبل الحصول على الشهادة الابتدائية، فئة لا تراها العين، لكن تكشفها الأرقام والتقارير.
فقد اعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن الهدر المدرسي “قنبلة موقوتة لم تعالجها السياسات التعليمية بالقدر الكافي”،
وشدد التقرير ذاته، على أنه إذا “لم يتم القيام بهذه الوقفة فإن التلاميذ المنقطعين عن الدراسة سيشكلون مستقبلا، خزانا يفرخ شبابا بدون مؤهلات وفي وضعيات اجتماعية صعبة، ومرشحين للوقوف في مخاطر التهميش والانحراف فضلا عن الفوارق الاجتماعية التي تنتجها هذه الظاهرة
ولفت التقرير إلى أنه، حين يغادر التلاميذ المدرسة منذ هذا الطور دون الحصول على أي شهادة تعليمية تتزايد احتمالات عودتهم إلى وضعية الأمية، كما أنهم يصطدمون بعدم إمكانية الالتحاق بمعاهد التكوين المهني على اعتبار أن شهادة التعليم الابتدائي تعتبر أدنى شهادة يتم قبولها للتمكن من ولوج هذه المؤسسات.
وبلغة الأرقام، فإن 55 في المائة من القاصرين المغاربة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة يوجدون خارج أسوار المدرسة،
إن نسبة تمدرس الفئة العمرية ما بين 12 و14 سنة تصل إلى 72 في المائة. في المقابل، لا تتعدى نسبة تمدرس الفئة العمرية ما بين 15 و17 سنة 45 في المائة،
2 في المائة من التلاميذ في المستوى الابتدائي ينقطعون عن الدراسة، وهو ما يمثل 100 ألف تلميذ سنويا، فيما تصل النسبة إلى 8 في المائة في المستوى الثانوي الإعدادي، أي ما يعادل 156 ألف و500 تلميذ.
وبحسب “الأطلس المجالي الترابي للانقطاع الدراسي” الذي أصدره المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، فإن 78 في المائة من المنقطعين عن الدراسة من المفروض أن تحتفظ بهم المنظومة التربوية إلى حدود سن الـ15 عاما على الأقل من أجل تأمين هدف السن الاجباري للتمدرس”.
ومن قلب ظاهرة الهدرالمدرسي، تبرز ظاهرة غياب الإنصاف،
مجمل الأبحاث، التي تناولت إفرازات غياب الإنصاف، بين الذكور والإناث المؤدي عمومًا إلى الهدر المدرسي، أن أول ضحايا هذه الظاهرة بالمغرب هن الفتيات، بنسبة 58.4%، فما تزال النساء في المغرب تعاني من الأمية، فقد أشار تقرير المنظَّمة الدولية (36) بأن نصف المغربيات فوق سن 15 عامًا تعاني من الأمية.
كل هذا لا ينفي مجهودات الدولة في الحد من آثار هذه الظاهرة و نتائجها، فقد حقق المغرب نتائج مشجعة فيما يتعلق بنسبة الدراسة والمساواة بين الفتيات والذكور، وعلى سبيل المثال: أنجزت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي –بتعاون مع منظمة اليونيسيف– بحثًا حول الفتيات والذكور، لاحظت من خلاله تراجع نسبة الهدر المدرسي بـ12 نقطة، بين 1997/98 و2002/03 على المستوى الوطني، وسجلت 22 نقطة على مستوى الوسط القروي، ورغم هذا النجاح المسجل؛ يبقى هناك الكثير من العمل للتقليل من هذه الظاهرة.
من كل ما سبق، الهدر المدرسي هو أكبر جامعة بالمغرب لتخرج من يشكلون اليوم قنبلة موقوتة تهدد السلم الاجتماعي وتضرب في العمق كل محاولات المغرب بناء مجتمع سليم قادر بسواعد أبنائه قيادة أوراش التنمية بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
فهل تعتبرون؟
مناقشة هذا المقال