دجنبر ،أكادير ،2021.
في دولة تسود فيها أحكام قيمة جاهزة ؛يكون فيها (الشلح) عنده (بوكو حبة ) و يكون (العروبي) عنده (غير الجبهة ) ؛و تصبح أسماء المدن مقرونة بطباع تعمم بلا منطق كحال (الفاسة)و (المراكشية) و (البراكنة) ؛
وسط هذا المنطق في التصنيف يصبح (الصحراوي) في مخيلة بعض الجهات إستمرارا لنظرية المستعمر الفرنسي و الإسباني الذين نعتوا في كتبهم المغاربة ساكنة الصحراء بالكسل و الخمول و الأجلاف …
اليوم و بعد 46 سنة من المسيرة الخضراء التي الحقت الصحراء بباقي التراب الوطني الذي حصل على استقلاله في 1956 ؛بفارق 20 سنة كاملة ؛ و بعد كل المشاريع و البرامج التنموية التي تم تنزيلها بالصحراء تسود احكام قيمة على ساكنة هذه المناطق بأنهم غارقون في الريع و الإمتيازات و انهم يعيشون عالة على الدولة ؛
لقد اصبح الصحراوي اليوم في مخيلة البعض هو مقابل ل(كارطية الإنعاش) و ل(تذكرة ريكيزيسيون ) و لثمن الوقود المدعم و المهرب ؛ و مقابل للموظفين الأشبال /الأشباح ؛
تلك هي الصورة التي اريد لها ان تكون نمطية عن أهل الصحراء في الجلسات الخاصة و في بعض المنابر الإعلامية و في نقاشات التواصل الإجتماعي ؛
و بعد ازيد من ستة وأربعين سنة من إلتحاق الصحراء بالوطن تبدو هذه الصورة خادعة و فيها من التعويم و التغليط ما يجب تصحيحه :
يمكن للزائر لمدينة العيون العاصمة الإقتصادية للصحراء أن يدخل منازل الأسر بكل سهولة، و سيرى بأم عينيه حجم المأساة التي تعاني منها فئة واسعة من ساكنة الصحراء ؛ أب يقترب من الثمانين من عمره و له ستة أبناء مدخوله منذ إستقر بالعيون (كارطية ) لا يتجاوز ثمنها 1500 درهم و أخرى لزوجته في عمر الستين ثمنها 1000 درهم ؛ اسرة من ثمانية افراد أجرتها 2500 درهم
الزوج و الزوجة لم تسمح لهما اوضاع الصحراء قبل المسيرة ولوج المؤسسات التعليمية ؛فكان الحل الذي إبتكرته الدولة للإدماج هو بطاقة إنعاش ؛
هم وطنيون وحدويون آمنوا بوطنهم المغرب و رددوا طيلة اربعين سنة شعارات الإنتساب الى الوطن ؛ آمنوا بأهمية الدراسة و الحصول على الشواهد ؛وهاهم الأبناء الستة (4 بنات ) سافروا و درسوا وحصلوا على شواهد الإجازة و بعضهم يواصل الماستر ؛و كل ذلك فقط بأجرة 2500 درهم مع بعض إمتياز التنقل بين العيون و أكادير، ومراكش.
وهاهم الأبناء مجتمعون حاملي شواهد عليا و لا افق لهم غير البطالة و العطالة ؛ الأب فقد القدرة على الحركة ليمارس هواية دفع الطلبات للحصول على بقعة او عمل للأبناء او إمتياز كما يحصل عليه غيره بين الفينة و الأخرى ؛
في المساء يلتف اعضاء الأسرة على كأس شاي يحكون عن العائدين من الضفة الأخرى و كيف استقبلوا بالإمتيازات و فيلات و اجرة ضخمة !
و حديث عن شيوخ قبائل ينعمون بنعيم من الإمتيازات على حساب بني جلدتهم من قبيلتهم ؛ أو القبائل الاخري
يسردون لائحة رجال السلطة المتحكمون في (الكارطيات) و يملكون بدل الواحدة عشرة !
الشيخ الوطني سيبقى بزاوية بيته يقول: الله الوطن الملك حتى يلقى ربه ؛
لكن الأبناء وهم يرون تجار القضية في نعيم يسبحون ؛ و هم يرون مآل والدهم بعد كل سنوات من الوفاء و الوطنية ؛ إنهم اصبحوا حطبا للإنفصال ؛لا لشيئ سوى لأنهم يقولون أن وطنا لا ينصفهم لا يستحق الإنتماء إليه ؛!!!!!!
(انتم صحراوة ماتخدمو ) هكذا يواجه اصحاب الشركات القادمين من الشمال ابناء الصحراء الراغبين في العمل بالقطاع الخاص ؛ فلم يعد لهم من ملاذ غير التوظيف الحكومي الذي يظهر و يختفي مع كثير من الزبونية في وضع اللوائح التي يتحكم فيها الأعيان و الأسر المقربة ؛و القبائل المتحكمة في القضية !!
لم يعد الإنفصال أفكارا إديولوجية ؛ولا بحثا عن فردوس الإنفصال،
اصبح الإنفصال حالة نفسية للتعبير عن سخط إجتماعي من وضع يعرف فوارق إجتماعية صارخة يصبح فيها العائدون يعيشون في النعيم و الوطنيون في الجحيم ؛حسب شعارات يرددها الطلبة بالخصوص ،يصبح فيها تجار القضية و تجار الحرب و تجار النزاع أباطرة و مليارديرات فيما الأسر البسيطة التي تسكن بيوتا كالقبور تعاني في صمت كي لا تصرخ و تتهم بالإنفصال .
نعم ايها المغاربة ؛الصحراويون ليس كما تعتقدون ؛وواقعهم ليس بالصورة التي تنسجونها من خيالكم ؛و وواقعهم الإقتصادي ليس مجرد ريع و إمتيازات ؛
الصحراويون اليوم لا يريدون قشور التنمية بل كلهم سواعد و حاملو شواهد و كلهم طموح ان يبنوا منطقتهم و وطنهم بعرقهم و بجهدهم ؛ لكن يحتاجون ان تفتح في اوجههم الآفاق و أن تعطاهم الفرصة لبناء المستقبل . و هو ما بدأ يتحقق بالتدريج عبر تنزيل مخطط النموذج التنموي للأقاليم الصحراوية ،
نعم ايها المغاربة ؛في الصحراء وطنيون لا يسمع لهم صوت إلا في ظلمة الليل و هم يئنون في صمت، و في النهار يرفعون حناجرهم معتزين بمغربيتهم ؛ وصل بهم السيل الزبى لكنهم يتعففون بكبرياء و شموخ اهل الصحراء .مؤمنون ان الوطن بدأ بالفعل يتدارك أخطاء الماضي و يتجه نحو المستقبل،
هذا الوطن الذي كان يمشي بسرعتين غير متوازيتين يجب ان يتوقف عن معاقبة الوطنيين بالإهمال و مجازاة تجار القضية بالإمتيازات .
نريد مغربا يتسع لنا جميعا على قدم المساواة .
يجب أن نعتز ان الوطن اليوم أدرك حجم إختلالات تدبير مناطق الصحراء ،و انه يوازن اليوم بين بنية تحتية متطورة و مؤسسات لتأهيل العنصر البشري، وتصور واضح للتنمية الشاملة مبنية على التوازن الواجب بين الإنسان والمجال،
مؤمنون بالمستقبل، ونحتاج لشحنة من الثقة لان الوعود أصبحت مشاريع على أرض الواقع،
فهل تعتبرون
مناقشة هذا المقال