إن كنه الإنسان حب البقاء من الولادة إلى الفناء، وهو حب غريب لا يعني بالمطلق العيش في الحياة، ولكن قد يعني في احاين كثيرة التعايش مع الحياة أو مع تقلبات الحياة أو كل ما يصيبك في الحياة،
وعندما تؤمن بأنك كائن له نهاية، ستجد سهولة في إدراك ان كل ما يمر بك في حياتك له نهاية،
و أكثر ما يخيف الإنسان هو الإفلاس، و كثير من الناس يجسدون تمسكهم بالحياة في تمسكهم بما يمتلكون، وهم غافلون ان أصعب إفلاس هو إفلاس الأرواح،
المؤمن لا نجده متمسكا بالحياة لأن إيمانه يعطيه الشوق لمعانقة حياة أخرى يراها جنة وراحة وإطمئنان نفس،
ويلتقي المؤمن في نظرته للموت مع عمالقة الفلاسفة الذين يرون في وجودهم فيزيقيا و افقهم ميتافيزيقيا ،
نادرًا ما نجد أشخاصًا يرون في الموت وجودًا من أجل ذاته، وذلك ليس حبًا في الموت، بل إيمانًا بالتحول الإنساني في الموت من الفيزيقي إلى الميتافيزيقي
لعل أنقى وجه بشري لهذا هو وجه سقراط. فقد حمل كأس الموت بيده، ولا فرق بين اليد التي حملت الكأس لأجل الموت.
قد تابع سقراط، وهو الذي كان يحيا في وضوح عقله، بشامل عباراته “أنا لا أعرف شيئاً”، تابع طريقه دون أن يدع يقينه يضل أو يشوش بفعل الأهواء العنيفة التي تصدر عن أناس يغضبون ويكرهون ويريدون أن يكون الحق معهم بأي ثمن، فلم يتنازل عن شيء، ولم يتلقف إمكانية الهرب التي كان معروضاً عليه، ومات بهدوء، متجشماً هذا الخطر باسم إيمانه.
و” سينيكا” نموذج آخر أيضاً، حيث انتظر سنوات في الحكم عليه بالموت. دون أن يفقد السيطرة على نفسه، عندما أصدر “نيرون” قراراً بإعدامه. كان يستطيع سينيكا أن ينقذ حياته بأن ينحدر إلى عمل لا يرضى به، لكن وفاء لإيمانه تقبل الموت.
هؤلاء الفلاسفة الذين وقفوا وحيدين أمام الله، دون أن يكونوا منتسبين بصورة أساسية إلى جماعة دينية منظمة في العالم. ويحققون المبدأ القائل؛ التفلسف؛ يعني أن تتعلم الموت.
إذا تسلحت بالإيمان فستكون في مرتبة أعلى من هؤلاء الفلاسفة، مرتبة السمو بالحياة إلى مراتب المغادرة المطمئنة مجسدة في تسليم روحك إلى باريها، روح تشق طريقها إلى الجنان كلما عملت في حياتك ما يطهرها من شوائب الدنيا،
تخيل معي انك لا تحمل معك إلى قبرك درهما ولا معدنا نفيسا، فحتى من دفنوا باجسام بها أسنان من دهب تأكل الأرض الجسد بلحمه وعظمه لكنها لا تقترب من المعادن، فالارض تدفن المعادن ولا تدفن الأجسام،
حتى الفراعنة الذين حنطوا أنفسهم تحولوا بحكم الدفن إلى هياكل بلا ملامح لكن مدخراتهم التي وضعوها في حجرهم و صناديقهم بقيت كما هي يتلقفها الباحثون،
عش حياتك بلا تزمت، فلا تفرط في روحك، و علمها النقاء، ولا تتهاون في التقرب من ربك قبل الرحيل إلى قربه، فالحبيب يشدك اليه الشوق فلا تمل من مراسلته حتى تلقاه، فلا تقطع صلتك بربك وراسله بصلاتك وإيمانك ومعاملاتك وتحصين روحك، ويوم تلقاه لن تقول إنك مت، ولا رحلت، بل إنك ارتقيت إلى منزلة لا يدركها الملهوفون على الحياة وزينتها،
فهل تعتبرون؟
أكادير 22يناير 2022.
مناقشة هذا المقال