متابعة اتيگ ميديا : مدير النشر.
عاد مؤخرا موضوع المباني المهددة بالانهيار إلى واجهة الاحداث مع انهيار عدد من المساكن في العديد من المدن المغربية خلفت مع الأسف ضحايا في الارواح و خسائر في الممتلكات، و مع ان خطر المباني المهددة بالانهيار يهم جميع المدن المغربية القديمة و كذا النسيج العمراني المبني في الفترة الاستعمارية، و يهم كذلك المباني القديمة التي لا تتم صيانتها بانتظام من طرف اصحابها، مما يعني عشرات آلاف المباني على الصعيد الوطني، فان معالجة وضعية هذه المباني تبدو متعثرة و غير ناجحة إلا في عدد قليل من العمليات هنا و هناك، فمن خلال تتبع هذا الموضوع في الإعلام العمومي و في جلسات البرلمان بغرفتيه و كذلك ما تنشره مختلف وسائل الإعلام، يتضح ان الحكومة او على الاقل القطاعات و الهيئات المعنية بشكل مباشر بهذا الملف لا تملك لحد الآن استراتيجية فعالة لمعالجة اشكالات المباني المهددة بالانهيار، و حتى القوانين، بما فيها القانون12-94 اتضح انها ربما تحتاج الى تعديلات جوهرية حتى تفي بالغرض المطلوب ألا وهو درء خطر انهيار المباني و الحفاظ على الأرواح والممتلكات و القضاء على بعض التشوهات في عدد من المجالات الحضرية التي تنتصب فيها بنايات متداعية او أطلال، و لا داعي لإعطاء أمثلة.
صحيح ان هناك العديد من البرامج التي تهم عددا من المدن بعضها يعود لعقود، لكنها لم تجد طريقها الى التنفيذ اما لغياب التمويل الكافي او لغياب الاجراءات المواكبة لحل مشاكل الايواء المؤقت مثلا، و كذلك اشكالية تدبير النزاعات و الاهم ربما هو لغياب الصرامة و الجدية و الحكامة الجيدة لدى بعض الفاعلين، خاصة ما يتعلق بتنفيذ المقتضيات القانونية ذات الصلة، او تفعيل المشاريع و الاتفاقيات المبرمجة و الالتزامات الموقعة منذ عدة سنوات.
قد تبدو هذه المقدمة طويلة بالنظر الى ان عنوان المقال يهم المدينة القديمة بتيزنيت، لكن من الضروري التوطئة للموضوع باستحضار المعطيات المشار اليها اعلاه. فحالة مدينة تيزنيت تشكل من وجهة نظري المتواضع المثال الواضح عن تعثر، و لا اقول فشل، برنامج القضاء على المباني المهددة بالانهيار، علما ان المدينة استفادت حسب علمي منذ سنة 2016 من اتفاقية لتاهيل المدينة العتيقة تتضمن برنامجا طموحا للقضاء على المباني المهددة بالانهيار التي سبق للمصالح المعنية ان احصتها سنة 2014 و بلغت ما يزيد عن 800 بناية.
حسب المعطيات المستقاة من مصادر متعددة فهذا الورش خصص له مبلغ 33 مليون درهم تم تمويله بالشراكة بين جماعة تيزنيت و وزارة السكنى و وزارة الداخلية.
و كما هو معلوم فان إطلاق اي برنامج من هذا النوع يحتاج الى دراسات تقنية و بحوث اجتماعية، الدراسات التقنية ضرورية لتحديد الاشغال المراد القيام بها و المختصون يعلمون ان المقاربات المعتمدة في المدن العتيقة كمراكش و فاس و الرباط و غيرها تهدف بالدرجة الأولى الى الحفاظ على الموروث الحضاري و المعماري اي أن المعالجة تستهدف بالدرجة الأولى ترميم و إصلاح المباني و اللجوء إلى الهدم و اعادة البناء يبقى استثناء اذا اكدت الدراسات التقنية انه لا جدوى من الترميم و الإصلاح، و حتى في حالة الهدم و اعادة البناء فالمقاربة و المبدأ يقتضيان إعادة البناء شريطة الحفاظ على الطابع المعماري المحلي و الحفاظ على الواجهات و كذلك الحرص ما امكن على استعمال المواد المحلية و ذلك حتى لا تفقد المدينة ما تبقى من طابعها المعماري، مع العلم ان مدينة تيزنبت تتوفر على تصميم التهيئة و الحفاظ على المدينة العتيقة.
و بالنسبة للبحوث الاجتماعية فهي ضرورية لتحديد الفئات المستفيدة من البرامج السكنية المخصصة الفئات الاجتماعية الهشة او ذات الدخل المحدود و غير المنتظم و التي تستفيد من دعم ميزانية الدولة، فحسب علمي لا يجوز مطلقا، بل من المعاقب عليه، توزيع الدعم المخصص للفئات الاجتماعية على اسر ميسورة او متوسطة الدخل.
بالنسبة للمتتبع للشان المحلي في تيزنيت، لا شيء تحقق في سبيل اخراج البرنامج لحيز الوجود، الاسر المستهدفة لم تتوصل باي شيء يساعدها على اصلاح مساكنها و درء خطر الانهيار، بعض الاسر اكدت فقط توصلها بقرارات الهدم ثادرة عن رئيس جماعة تيزنيت تطلب منها هدم مساكنها بحجة ان انهيارها وشيك، هذه الاسر ، او جلها على الاقل، لا تملك الموارد الكافية للهدم فما بالنا باعادة البناء ، صحيح ربما هناك اسر ميسورة توصلت بدورها بقرارات الهدم، لكن القائمين على البرنامج ، دون تحديد اية جهة، لم تقم بتفعيل لا الإجراءات القانونية التي نصت عليها فصول القانون 22-94 و لاتنزيل البرنامج الخاص بهذه المدينة الذي يهم الاصلاح و الترميم او حتى هدم و اعادة البناء طبقا للمعايير و الشروط التي تضبط الاستفادة من الدعم المالي العمومي كما اشرت الى ذلك في النقطة المتعلقة بالبحوث الاجتماعية.
صحيح ان موضوع المباني المهددة بالانهيار موضوع شائك و معقد تتداخل فيه عدة عوامل، لكن على الاقل يمكن الاستفادة من بعض التجارب الناجحة نسبيا.
و هنا لا بد من الاشارة الى انه في نهاية سنة 2019 نظمت عمالة تيزنيت يوما دراسيا قدمت فيه معطيات مهمة تهم جوانب مختلفة لمراحل القضاء على المباني المهددة بالانهيار، بما في ذلك تفعيل القوانين و انجاز و تنفيذ المشاريع ، و اتذكر ان.اساتذة و خبراء القانون و كذا المهندسين و التقنيين الذي شاركوا في اليوم الدراسي اسهبوا في شرح كل ما يهم الموضوع، و كنت اظن ان الفاعلين على المستوى المحلي، خاصة الجماعة الترابية، سيعملون من اجل بلورة و تفعيل البرنامج الخاص بالمدينة القديمة اعتمادا على المقاربات و الاستنتاجات التي قدمها المختصون خلال هذا اليوم الدراسي. واذا حصل ذلك بالفعل فان عموم الساكنة يجهلون لحد الآن اين وصل تنفيذ البرنامج و هل هناك اشكاليات استعصى حلها. ننتظر اجوبة من القائمين على البرنامج كل في مجال اختصاصه.
في هذا السياق كذلك يبدو انه من الضروري لتأمين نجاح هذا النوع من البرامج الاجتماعية خاصة في مجال السكنى، ان يتم اعتماد مقاربة تشاركية و تواصلية موجهة بالاساس للفئات المستفيدة و كذلك لملاكي المباني المهددة بالانهيار الذين يملكون الموارد الكافية لتنفيذ الالتزامات القانونية التي تؤكد على مسؤوليتهم عن الاضرار التي تلحق بالغير جراء امتناعهم عن اصلاح مبانيهم او تنفيذ القرارات الصادرة عن الجماعة التراتبية بما في ذلك ما يتعلق بالافراغ و الهدم خاصة الذين توصلوا بالقرارات و الانذارات الكتابية.
اعوذ للفئات الاجتماعية التي يستهدفها البرنامج لاؤكد ان انجاحه يقتضي وضع خطة تواصلية و كذلك مواكبة اجتماعية من شانها ضمان انخراطها الايجابي خاصة و ان مرور ما يفوق اربع سنوات دون نتيجة ملموسة اصاب المعنيبن باليأس و الإحباط.
و كمهتم بتدبير الشان المحلي، و في اطار حق الحصول على المعلومة اتمنى من المسؤولين عن تنزيل البرنامج، الاجابة عن التساؤلات التالية:
- لماذا تأخر تفعيل و تنفيذ البرنامج؟
- كم عدد الاسر المعنية بالدعم و المساعدة للاصلاح و الترميم و اعادة البناء؟
- كم عدد المباني التي تقرر هدمها؟
- هل صحيح ان تأخر البرنامج يعود الى عدم تعبئة الاموال من الشركاء؟
- هل هناك خطة تواصلية تجاه الاسر المعنية و عموم الساكنة؟
- ما دور فعاليات المجتمع المدني و خاصة جمعيات الاحياء، هل يمكن ان تكون شريكة ؟
- هل صحيح ان منتخبي جماعة تيزنيت و خاصة المسيرين منهم، يخشون ردة فعل الاسر المستهدفة بقرارات الهدم و الانذارات ، و هل لهذا التخوف علاقة بتوقف المساطر في مجرد اصدار القرارات و والانذارات و تبليغها، دون المرور الى الخيارات الاخرى التي يكفلها القانون و تؤدي الى درء الاخطار؟
و اخيرا فان اثارتنا لهذا الموضوع و في هذا التوقيت، ليس الهدف منه التقليل من اهمية البرنامج و الخطوات و الاجراءات التي تمت لتفعيله و لا توجيه اللوم لاية جهة ، و انما غايتنا إثارة الانتباه الى ان المباني المهددة بالانهيار بمثابة قنبلة موقوتة، و خاصة و نحن في موسم الامطار ، و ما نخشاه و لا نتمناه هو ان تحدث، لا قدر الله، حوادث انهيار، كما حصل في مدن اخرى.
و اخيرا اعتقد ان نجاح اي برنامج يقتضي تفعيل و تعزيز اليات التواصل مع المعنيين و عموم الساكنة. و انا على يقين ان جميع المسؤولين يدركون اهمية تفعيل هذا البرنامج و وضعه في مساره الصحيح.
مناقشة هذا المقال