منذ قليل، قرأت العبارات التالية في أحد المواقع الالكترونية تقول: ” السياسة مال ومكر، وخداع وكذب، وشقاق ونفاق، وأنانية، ومصالح شخصية، وبيع للذمم والمروءة ومتاجرة بالأعراض والأفراد، ووضع السم في العسل للتخلص من العدو والمنافس، لمن استطاع لذلك سبيلا…. إنها باب كل الشرور، يصبح فيها الشر بطلا، والخير تراخ وضعف..”.
في الحقيقة مثل هذه العبارات كثيرة ومتداولة في المجتمع المغربي، وهي نتيجة أولا للعديد من الخيبات والفشل في تاريخ الصراع السياسي بالمغرب، ثانيا نتيجة قوة وسائل الاعلام والتواصل التي هي بيد التحالف الطبقي الذي كانت سياسته مبنية منذ بداية الاستقلال على إبعاد الطبقات الشعبية عن ممارسة السياسة.
السياسة في أي بلد كيفما كان هي علم يهتم بكل الجوانب المتعددة لنشاط المجتمع المادية منها والفكرية في مستواها السياسي، إذا كان علم الاقتصاد يهتم مثلا بالجوانب المادية للمجتمع ونظام تسييره وتدبيره.. فإن السياسة تنظر في توزيع فائض هذا الاقتصاد وحصة كل طبقة وكل فئة وفي حصة ما يذهب من الفائض إلى التعليم والصحة والسكن والبحث العلمي وتسيير إدارات الدولة وغيرها.. وهل الدولة تتحمل مسؤوليتها في أن تكون دولة اجتماعية تفرض هذا المنظور على الاقتصاد أو أنها دولة عبارة عن بورصة للإثراء السريع وتفريخ اللوبيات تحت اسم القطاع الخاص..
هذه المكانة الخطيرة التي تحتلها السياسة في أي بلد هي التي تدفع التحالف الطبقي في المجتمع المغربي لكي ينشر التزييف حول السياسة، مستغلا حقيقة قائمة لكنه لا يذكرها وهي أن المجتمع فيه دائما سياستان تتصارعان سياسة التضليل وسياسة الحقيقة. وسياسة التضليل هي التي تلجأ إلى كل وسيلة خبيثة وماكرة لتلتف على السياسة النبيلة، سياسة الحقيقة.
الآن تعرف الساحة المغربية فترة انتخابات ستنتهي يوم 8 سبتمبر الحالي، وكل حصيف ولبيب سيكتشف بسهولة سياسة الحقيقة في جهة وفي الجهة المقابلة سياسة التضليل.
هذا الانقسام سببه وجود انقسام حول مصالح الطبقات الشعبية وتعبيراتها السياسية والنقابية والجمعوية وبين مصالح التحالف الطبقي المسيطر سياسيا ومصلحيا ماديا حتى لا أقول اقتصاديا، وبالتالي كان من البديهي أن يعرف المجتمع سياسة الحقيقة كما تبناها الشهيد المهدي وتتواصل عبر الأجيال وستتواصل، ويعرف سياسة التضليل التي ندد بها الشهيد عمر بنجلون، وستعرف نهايتها طال الزمن أو قصر.
ومن غرائب التضليل الذي لا يُتقن إلا في المغرب ولا يملك أصحابه السنطيحة الصلدة إلا في المغرب هو أن نشاهد أحزابا سيرت الشأن العام لعقود من الزمن وفشلت في التخطيط وفي التسيير والتدبير وتقول أنها مرة أخرى بعد العديد من المرات أنها ستفعل .. وستفعل.
مناقشة هذا المقال