بقلم الاستاذ حسن ادحجي
بعد إعداد ما يلزم فرجة إمعشار من اقنعة و البسة تنكرية و آلات ايقاعية من طبل “كانكا ” و دفوف ” تيلونا” و ناي “لعواد” و بعض المجسمات خاصة “تاسردونت ” البغلة ، لان امر صنعها كان اسهل بينما تأخر ظهور “تارعمت” الجمل في فرجتنا الى ان كبرنا و اشتد عودنا، مجسم “تارعمت” يتطلب حاجيات كثيرة و حدقا و مهارة في الصنع كما يحتاج شخصين مؤهلين بدنيا لينحشرا داخل اكياس من الخيش على عاتقهما اخشاب و دعامات يتطلبها مجسم الجمل..اثناء توزيع المهام و الادوار لوحظ تمسك البعض بتشخيص ادوار “سميحة تودايت” اليهودية ،و ادوار “تيواياوين” الجواري و الإماء و دور “الحزان” ،،استغربنا لحرصهم على اداء هذه الادوار،، ظننا في اول الامر ان هذا الاصرار وراءه التهرب من حمل خشبة و ترديد كلمات الفرجة لساعات ، لكن فيما بعد عرفنا ان تقمص تلك الادوار يمكنهم من تبادل اطراف الحديث مع الفتيات و ربط الصداقة بهن مستغلين تنكرهم في ازياء و اقنعة لاتكشف عن هويتهم،،كانت فرجة امعشار مناسبة اجتماعية لاتعوض للفتيان و الشبان لكسر بعض التابوهات،،يتحول القناع الى أداة تمنح صاحبها الجراة و الشجاعة على كسر حواجز الخجل و الحياء بين الجنسين ، كما تسمح تلك الادوار بالحديث خلف الاقنعة في المواضيع الحميمية و المسكوت عنها باشارات رمزية دون تخطي الحدود طبعا..نتاكد من غاياتهم حين يعودون بجيوب فارغة ،، لكل واحد من افراد إمعشار هدف و غاية من الفرجة..الذين يتقمصون ادوار رجال الشرطة يحققون ذواتهم و نزوعهم للسلطة و إعطاء الاوامر ، كما يتصرف بعضهم بغلظة و قساوة مع المتفرجين كاي رجل سلطة حقيقي ،،و هنا اذكر شخصا اختار ان يلعب دور الشرطي خلال فرجة امعشار ، قضى المسكين اياما في إعداد زي الشرطة ، تفنن في صنع كل اكسسوارات بدلة الشرطي الحقيقي،، ذات يوم و بعد انتهاء الفرجة و في طريقه ليلا الى بيته مزهوا باداء الدور كما يجب ،صادف دورية الشرطة “لاراف” ، اثناء دورياتها الليلية المعتادة،،حار كيف يتصرف،،هل يرفع يده لتحيتهم “فقد بات واحدا منهم” ،هل يتجاهلهم و يمضي في طريقه ، بينما كان يفكر حائرا كيف يتصرف في هذا الموقف الطارئ ، لاحظ ان سيارة الشرطة ابطات في سيرها و انها ستتوقف بلا شك للتحري في امره ،،في رمشة عين استعاد وعيه ، ادرك ان الامر خطير ،،تراجع الى الوراء و اطلق ساقيه للريح تطارده دورية الامن ،و لم يسلم إلا حين سلك دروبا ضيقة ،،حين حكى لنا الواقعة في صباح اليوم الموالي ضحكنا كثيرا و نحن نتخيل مطاردة الشرطة لشخص ينتحل صفة ينظمها القانون.. بعد تلك الواقعة جاءنا في اليوم الموالي يضع قناعا و يجر خلفه خشبة و هو يردد “مادريح الصداع..”
هناك دور آخر يحرص احد الاصدقاء على ادائه ،دور البراح او “لعلام” ،تقوم مهمته بان يسبق موكب امعشار و طرق ابواب البيوت للاستعداد لاستقبالهم بما يلزم من صدقات ، و قد يستغل فرصة انفراده بالناس بعيدا عن اعين امعشار لتمتد يده للصدقات و الهبات،، و قد يوهم الناس بقدوم امعشار الى مكان بينما الفرجة في مكان بعيد..أما “إيميريك” اي ما يردده امعشار في ساحة الفرجة من كلمات و عبارات على ايقاع النقر على الطبول و الدفوف و العزف على الناي فكثيرا ما وضعتنا في مواقف محرجة مع بعض الاسر خاصة المحافظة، فالفرجة لاتخلو من كلمات نابية ، كما تتخللها ايحاءات جنسية لا تخفى على احد ،كنا نحرص على تجنبها لكن “الحاج” و في لحظة اندماج مع الدور ،و لانه يحفظها عن ظهر قلب،يصر على ترديدها فلا نملك غير ترديدها بشكل جماعي امام استهجان البعض و ضحكات البعض الاخر،و قد تقابل تلك العبارات بردود محتجة من قبيل ” سير اكن إفلس ربي، سير أكن انعلا ربي..”فنغادر المكان و نحن نلعن “الحاج” ، “الحاج ” يا حسرة ، الحاج الذي جر علينا غضب الناس بكلماته الوقحة و شتائمه ، نحن مجرد تابعين ، نردد ما يقوله قائد الجوقة ، إن قال الحاج ” انعلا ربي د ماتون ” رددناها بعده..
تتخلل الفرجة كذلك بعض اعمال شغب ، فالتنكر وراء اقنعة يسمح بافعال فيها بعض التهور ، كاعتراض سبيل المارة و ارغامهم على التصدق على إمعشار،، يحدث ان تنفلت الامور كما وقع ذات ليلة حين اعترضنا عربة للفواكه الجافة و المكسرات ، و حين امتنع صاحبها عن تقديم الصدقة ،و حين اعيانا ترديد اللازمة “كين افوس،كين افوس..” و في تصرف طائش و متهور لجأ احد امعشار لقلب العربة بما عليها راسا على عقب باستعمال خشبته ، ليفر افراد امعشار كل في اتجاه،،ليلتقي الجميع في الكوميسارية في مساء اليوم التالي لكن بلا اقنعة.. و تلك قصة اخرى… بقلم : حسن إدحجي.
مناقشة هذا المقال