بقلم سدي علي ماءالعينين ،أكادير فبراير 2022 .
ماذا لو قررت أن تقضي يوما كاملا بلا نوم، وفي أربعة وعشرين ساعة تقرر كالزوق القيام بجولة متعددة الأماكن وفي مختلف المدن و القرى على إمتداد وطننا، وانت ترصد النشاط اليومي للمغاربة بليلهم ونهارهم ، لعل ذلك يمكنك من فهم ما يكتب عن الإستثناء المغربي،
ما سنقدمه هنا هو رحلة إفتراضية من المؤكد انها لم ترصد كافة المشاهد، لكنها تختزل اغلب او لنقل بعضا من سلوك و نشاط بشري للمغاربة وهم يهيمون في الطرقات و الأماكن و الفضاءات،
هو إمتحان صعب لكنه محاولة تقربنا من إنشغالات يومية للمغاربة،
ليل المغاربة مختلف بين مدن تدخلها ولا تجد في شوارعها غير حراس المرابد، يعانق الحارس مدياعه الصغير وهو يستمع لقضايا نساء ورجال يتصلن بالإذاعات الخاصة يحكين تجاربهم و معاناتهن، وآخرون يتابعون سهرات بين ام كلثوم او مجموعات مغربية، فيما المنازل نادرا ما تلمح عيناك ضوءا منبعثا من نافذة منزل،
وفي مدن أخرى صخب و حركية متفاوتة في المجال،
ففي المدن السياحية يمكنك أن ترصد في الساعات المتأخرة من الليل قبل استقبال صباح جديد مغاربة يتمايلون، أو يتعاركون ، وهم خارجون من حانات ومراقص، يتسابقون إلى سياراتهم او سيارات الأجرة، وهم خارجون من فضاءات مغلقة تعلوا فيها الموسيقى، ودخان السجائر، و الكؤوس تلعب بالرؤوس زهوا ومتعة و ابتلاء،
و بعيدا عن هذه الامكنة، تكون قد فتحت أبواب المساجد لإستقبال رواد يقاومون النعاس وهم يمشون في دروب تجمع بين ظلام الشوارع و برودة الجو لأداء صلاة الفجر، حيث يسمع صوت الإمام يتلو آيات بصوت مبحوح فيه خليط من خشوع و نعاس،
فيما مغاربة في المدارس العتيقة يقضون ليلهم في تلاوة القرآن و حفظ السور،
ناهيك عن من يمتهنون مهن الليل بين طبيب و ممرض بالمستعجلات، وشرطي يجوب الطرقات او مسمر أمام أبواب مؤسسات، أو غارق في إعداد محاضر للمتشاجرين من السكارى و العاهرات…
بمدن صناعية كالبيضاء، وعلى جنبات الطرقات نساء ورجال يقفون في مواقف الحافلات ينتظرون الإرتماء في قلب زحام حافلات تحملهم إلى المعامل و الشركات في أكثر من رحلة قد تطول لكيلومترات،
فيما في العالم القروي وشبه الحضري من المدن الفلاحية، بشر مكدس في شاحنات ملثمون وملثمات يُحملون على وجه السرعة للإلتحاق بالضيعات ومعامل إعلانا لبداية يوم عمل يطول او يقصر،
فيما في باقي المدن آباء بوجوه متعبة يحملون أطفالهم إلى مؤسساتهم التعليمية، و تعلوا منبهات السيارات وهي تتسابق و تتزاحم في المدارات، فيما أطفال مكدسون في النقل المدرسي يقومون برحلة بين الأحياء في حافلات تسعى لجمع التلاميذ في إتجاه مؤسسات خصوصية،
واقرانهم من تلاميذ المغرب العميق يمشون لكيلومترات قاطعين مسافات للوصول إلى مدارسهم، فيما المحظوظون منهم يقومون برياضة إجبارية وهم يحركون عضلاتهم النحيفة الصغيرة على دراجات هوائية يتجنبون المطبات و يسابقون الزمن للوصول إلى المؤسسات،
فيما آباء يقاومون أمراض هذا الزمن وهم يمارسون رياضة المشي في الفضاءات و الشواطئ طمعا في جسم سليم،
أرباب المقاهي يقاومون نعاسهم وهم يضعون الكراسي في واجهة المقاهي لإستقبال من لا يسعفهم بداية يومهم إعداد وجبة إفطار بالمنزل فيختارون إفطارا بالمقهى وهم ينتظرون بشغف وصول الدفعة الأولى من جرائد الصباح،
أطفال آخرون يستيقضون في محلات مهن السيارات و يفتحون محلاتهم و يتوجهون صوب المتاجر لإقتناء خبز و زيت بالتقسيط،
موظفون يلتحقون بمقرات عملهم، بين ملزم بالبقاء و بين مسجل لحضوره قبل التوجه إلى المقهى لمعانقة سيجارة و كأس قهوة و لعب كلمات مسهمة بجريدة،تاركا بذلته على الكرسي اعلانا لعودته المحتملة،
في محطات الحافلات عالم آخر، مسافرون يصلون وآخرون يسافرون، حافلات تتسابق لإستكمال عدد المقاعد، وجوه ساهرة، و أخرى متربصة ببدويين من القرى يلجون المدينة لأول مرة ليكونوا صيدا ثمينا للصوص محترفين او وسطاء انتهازيين،
نساء بالمنازل يعدن وجبات الإفطار وهن يستمعن لقهقهات مديعات بالمدياع و خليط من الغناء و نصائح للفلاحين، و أخرى تعرض أجواء الطقس، و موجز الأخبار…
آخرون بالتكنات يؤدون تحية العلم، و آخرون لازالوا في نومهم يستمتعون بأحلام او يقاومون كوابيس،
تجار الخضر يعقدون برصة صباحية لبيع المنتوجات قبل أن توزع على العربات،
عمال النظافة يجمعون ما تراكم من ازبال المنازل او في جنبات الطرقات،
دركيون ورجال أمن ينهون ليلهم ليسلموا مواقعهم لزملائهم ليخلدوا إلى النوم…
كما قلنا في بداية المقال هذا رصد جزئي لحركية المغاربة كل صباح،
هناك مشاهد كثيرة يمكن رصدها،
فهل تعتبرون؟
مناقشة هذا المقال