نص المذكرة الموجهة من قبل جمعيات وهيئات مدنية وفعاليات حقوقية إلى الفرق البرلمانية بمجلس النواب ومجلس المستشارين وإلى حدود الساعة تم توجيه هذه المذكرة إلى فريق التقدم والإشتراكية بمقره بالبرلمان والمكتب السياسي لجبهة القوى الديمقراطية بمقر حزبه.
تشكل اراضي القبائل أو الأراضي الجماعية حاجزا مهما في النظام العقاري المغربي. فهي أراض ترجع ملكيتها الى جماعات في شكل قبائل او دواوير او عشائر تربط بينهم روابط مشتركة، كما ان حقوق الافراد فيها غير متميزة عن حقوق الجماعة.
هي إذن أراضي مشاعة بين افراد القبيلة. الأساس منها الانتفاع دون فرز لحصص الافراد وذلك وفق تنظيم وعرف عريقين يتم الاتفاق على اساسهما من طرف أعضاء الجماعة تحت اشراف و رقابة (إنفلاس) او الحكومة الوصية.
يرجع أصل أراضي القبائل الى عصور قديمة، كما طغت على استغلال هذه الأراضي الأعراف كنظام متوارث. و من تم عمدت الدول الغازية الى اصدار قوانين تسعى من خلالها الى فك هذا الارتباط الوثيق بين القبائل و أراضيها.
تعتبر قضية الأرض ومواردها التي تعود الى القبائل الامازيغية من ضمن اهتمامات المدرسة الكولونيالية منذ سنة 1887م، بحيث نظمت هذه الأخيرة رحلات استكشافية وأبحاث ميدانية تحت لواء مخبرين و جواسيس عسكريين أمثال (شارل دوفوكو) و (مونتاني) و غيرهما، وذلك من اجل انجاز تقارير و بحوث ميدانية حول ارض القبائل، و يعد دوفوكو اول من انجز البطاقة الجيولوجية للمغرب سنة 1887م، تليها البطاقة التقنية المنجزة في هذا الاطار سنة 1912م.
تجدر الإشارة الى ان أراضي القبائل المغربية قبل الحماية (الاستعمار) كانت تمثل خمسة اسداس (5/6) المساحة المغروسة أي حوالي ( 80%) من الأراضي الفلاحية و الزراعية و الغابات. و أن أراضي المخزن لا تمثل سوى سدس أي (1/6) من المساحة المغروسة، كما ان هناك ملكية خاصة لكل مجموعة قبلية في الأرض الزراعية و الغابوية و أراضي السقي.
ان صدور الظهير الاستعماري سنة 1916م يندرج ضمن هذا المسعى، فهو ظهير سياسي بامتياز، توخى نزع أراضي القبائل لتكون تحت سلطة “المخزن و العائلات الموالية له” وهو ما يفسر اليوم امتلاك هذه الأراضي من طرف هذه العائلات “الكبرى” بثرواتها الطبيعية و الباطنية و البحرية.
قضية الأرض اذن، قضية سياسية شائكة بثرواتها في تاريخ المغرب السياسي الحديث، الذي رسم الحامي (المستعمر) الفرنسي حدوده منذ سنة 1906م و احتكره “المخزن” السياسي أي “الدولة العميقة” منذ 1956م، مع العلم ان توظيف المفهوم السياسي لبلاد “السيبة” (أراضي القبائل) و بلاد المخزن، يندرج في هذا الاطار، بحيث استُغل سياسيا لنزع الأراضي من مُلاكها الحقيقيين و مصادرتها منهم و تمليكها فيما بعد الى الموالين للحامي ثم الى “المخزن”.
هذا، مع الإشارة الى انه كما تم توظيف مفهوم بلاد “السيبة” لتجريد القبائل من أراضيها، وظفت “الحركة الوطنية” ظهير16 ماي المنظم للمحاكم العرفية و اطلقت عليه زورا “الظهير البربري*، كذريعة لابعاد المقاومين الفعليين من القبائل الامازيغية في تدبير الشأن السياسي، واقصاء البعد الهوياتي و الثقافي الامازيغيين في ملامح الدولة الحديثة التي على قيد التأسيس.
يجب التأكيد على ان ملف الأرض يديره بشكل عصري و سياسي “المخزن العميق” منذ احداث ما يسمى المندوبية السامية للمياه و الغابات سنة 2005، مع ظهور مصطلح “بوغابة” الذي هو احد اذرع وزارة الداخلية في مراقبة أراضي القبائل الامازيغية.
نسجل أيضا ان جميع الأحزاب السياسية غير قادرة على مباشرة إشكالية ملف الأرض ولا على ادراجه ضمن برامجها السياسية، بحيث يعتبر من “الطابوهات” ولأن الدولة تتوجس من اثارته، لذا فقد بادرت في هذا الشأن الى اصدار قانون المياه والغابات وهو قانون وضعه المستعمر وصاغ بنوده.
من مقتضيات ظهير 1917م حفظ الملك الغابوي لصالح الدولة “المخزن و العائلات الكبرى” مع فرض شروط بشأن استغلاله و الانتفاع به، و هو ظهير خطير و ساري المفعول الى يومنا هذا.
اليوم، من بين اهم الدوافع المالية و السياسية التي جعلت الدولة المغربية تتعجل في حفظ ما يناهز 52 مليون هكتار من أراضي القبائل، التي تتواجد بها أشجار الأركان، هو بروز سوق الكربون و ما يمنحه من تعويضات لفائدة السكان الأصليين و الدول حسب ما تملكه من أراضي في اسمها، خصوصا بعد مؤتمر قمة الأرض بمدينة ريودي جانيرو بالبرازيل سنة 1992م.
مقابل هذه التعويضات المغرية تم تعطيل بشكل سافر من طرف “المخزن” بنود الظهير الشريف الصادر في 13 مارس 1925م والذي يتعلق بوقاية غابات شجر الأركان و ما يمنحه و يقره من صلاحية حق التصرف للقبائل فيها حسب عوائدها المألوفة، و ما يمنعه من كل معاملة او إحالة بين أهالي القبائل وبين أناس اجنبيين عن هذه القبائل، كما ينص صراحة بان كل اتفاق يخالف منطوق هذا الظهير يعد باطلا ولا يعتد به على الاطلاق.
بما ان بروز تجارة الكربون التي يقوم سوقها على مبدأ من “يلوث اكثر يدفع اكثر” وقد خُصصت لها عوائد مالية تقدر ب 100 مليار دولار سنويا، حسب منظمة الأمم المتحدة، مما أسال لُعاب الدول والأنظمة الاستبدادية، ضاربة عرض الحائط الحقوق الجماعية للسكان الأصليين ،لتستفيد هي من حجم هذه التعويضات.
ان صدور الظهير الشريف في 13 دجنبر 2010 بتنفيذ القانون رقم 10.06، المحدث للوكالة الوطنية لتنمية الواحات وشجر الأركان، يعتبر من بين السياسات الحقيقية التي جعلت الدولة المغربية تهتم بالتنمية المجالية و المستدامة المفقودة في هذه المناطق. وعلى الرغم من ان مناطق شجر الأركان لا تعتبر بتاتا غابة لكون شجرة الأركان شجرة معيشية الى حدود 10 ماي 2020، وليست لها قرينة غابوية، بحيث صنفتها منظمة اليونسكو تراثا عالميا إنسانيا لمالكيها الذين هم السكان الأصليين، فان الفقرة الثانية من الباب الرابع من مهام هذه الوكالة ينص على ما يلي:
“تعمل الوكالة على توسيع مساحات غرس الأركان وفقا للأحكام التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالملك الغابوي”.
من جهة أخرى، بغض النظر عن كون قانون الترحال الرعوي 113.13 الصادر في 27 أبريل 2016م تأسس على منطق تمييزي، اذ استهدف مناطق بعينها دون الأخرى، وقد جاء بعد دستور جديد لسنة 2011 ، هذا الأخير الذي يقر في فصله 35 على انه “يضمن القانون حق الملكية و يمكن الحد من نطاقها او ممارستها بموجب القانون و لايمكن نزع الملكية الا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون.
كما يقر بالاشتراك الفعلي لباقي الفاعلين و الفرقاء الاجتماعيين في اعداد السياسات العمومية و تقييمها، مع الانفتاح على المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي، وهو ما لم يحدث قط و ما لم يحترم في هذا القانون المشؤوم و في مراسيمه التنظيمية، فان الهبة المالية لدولة قطر بقيمة 136 مليون دولار، أسالت من جديد لعاب “المخزن” و الستثمرين و العائلات المهيمنة و الشركات المتعددة الجنسية، لتنتقل معها ممتلكات و أراضي قبائل سوس التاريخية الى مستوى آخر من الاستباحة و النزع، مع فتحها امام هذه الشركات وامام مافيا الرعي، ليكون قدر هذه المناطق، المنسية و المهمشة و المقصية من كل تنمية، التصدي من جديد لما يطال مجالها الحيوي وممتلكات قبائلها من نهب و استباحة، لتدخل مكرهة، من جديد ،في معركة الدفاع عن الأرض و العرض و الثروة.
مع العلم ان تصريح وزير الفلاحة و التنمية القروية و المياه و الغابات واضح وصريح، في كون قانون الترحال الرعوي 13.113 ، لا يشمل الا المجال الصحراوي و منطقة تافيلالت، هذا قبل ان ينقله الى مناطق سوس التاريخي، تحت ضغط الجمعية البيجهوية لمربي الابل بالجهات الجنوبية الثلاث، قبل تقليص عدد الجهات إلى إثني عشر جهة.
ان علاج الوضعية المأساوية التي وصلت اليها الحقوق المرتبطة بالأرض، تحتاج الى تأطير القوى الحية بالبلاد لضحايا الوضعية، و خلق إطارات جمعوية جادة للاتفاق في مرحلة لاحقة على استراتيجية شاملة لحل المشكل، مع الاعتماد على الحل السياسي الناتج اما عن حوار و إرادة سياسية حقيقية، و إما بفضل الجماهير لانتزاع حقوقهم، وكحل أولي يلزم التعبئة من اجل انتزاع التوقف عن مسلسل سلب الأراضي من ماليها، في انتظار حل جدري للمشكل، و لا نتصوره الا في اطار الغاء جميع القوانين الإستعمارية، و كذا تعديل القوانين التي تم سنها بعد الغاء معاهدة الحماية، سيما التي تمس بالحقوق المرتبطة بالأرض، و ذلك باستحضار التوازن بين مصالح أصحاب الحق الأصليين و المصلحة العامة الحقيقية للبلد. بالإضافة الى ما سبق، يلزم ان يوضع من بين الأهداف الدفع بالحكومة المغربية الى توقيع الاتفاقية 169 المتعلقة بالشعوب الاصلية و القبلية، لان في تبنيها حلولا عملية و واضحة لمشكل الأرض.
بعض المطالب الآنية و الموضوعية: 1-حل الوكالة الوطنية للمياه و الغابات، التي أحدثت في اطار تنزيل استراتيجية غابات المغرب 2020/2030 التي اطلقها الملك في 13 فبراير 2020.
2-الغاء الظهائر الاستعمارية السالبة لأراضي السكان الأصليين و كل ما بني عليها من مراسيم و قوانين.
3-ضمان استفادة ساكنة المناطق من عائدات الثروات المستخرجة من أراضيها.
4-حماية الموروث البيئي و خاصة شجرة ارگان المحمية من طرف منظمة اليونسكو.
5-رفض تسييج أراضي القبائل و تصنيفها كغابات و محميات و ضمّها لما يسمى “الملك الغابوي المخزن”.
6-الغاء واسقاط قانون الترحال الرعوي التمييزي 13.113 ،الذي استبيحت بموجبه ممتلكات و أراضي السكان و مواردها، ففتحت امام المستثمرين و مافيا الرعي الريعي و الشركات المجهولة الجنسية.
7-مطالبة الدولة المغربية بالمصادقة على الاتفاقية الدولية المتعلقة بالشعوب الاصلية و خاصة اتفاقية 169 التي تشير في الجزء الثاني المتعلق بالأرض في المادتين 13 و 14 الى ضرورة احترام ما تتصف به علاقة الشعوب المعنية بالاراضي او بالاقاليم او بكليهما، وخاصة الاعتبارات الجماعية في هذه العلاقة مع الاعتراف بحقوق الشعوب المعنية في ملكية و حيازة الأراضي التي تشغلها تدريجيا، والإجابة على توصيات الأمم المتحدة الأخيرة حول تجريد السكان من الأراضي و تهجيرهم منها.
الضغط من اجل استرجاع ممتلكات القبائل الامازيغية التي تم نزعها بطرق احتيالية و تدليسية في غياب تام للمراقبة التشاركية و الاشراك الفعلي للقبائل، حسب قوانينها و أنظمتها المستمدة من الأعراف الامازيغية العريقة.
التقسيم العادل لثروات أراضي القبائل الطبيعية و الباطنية و تسخيرها في تنمية مناطقها المهمشة و المقصية منذ عقود.
اعتبار قانون العرف”أزرف” من مصادر التشريع الى جانب القوانين المعتمدة.
الجمعيات والاطارات الموقعة/الممثل/التوقيع.
*تنسيقية جمعيات أيت علي لخصاص ،عمالة إقليم سيدي إفني،جهة گلميم واد نون. *جمعية تايافوت الثقافية والفكرية،أيت صواب، عمالة اشتوكة أيت بها،جهة سوس ماسة. *جمعية تكزيرت، حاحا، عمالة الصويرة ،جهة مراكش تانسيفت. *جمعية أغراس الخير للأعمال الإجتماعية، تدوارت، الدرارگة،عمالة أگادير إدوتنان،جهة سوس ماسة. *تنسيقية “أكال” للدفاع عن حق الساكنة في الأرض والثروة،فرع شتوكة أيت بها. *محامي لدى هيئة الرباط،مهتم بإشكالية الأرض والحقوق المرتبطة بها بسوس التاريخي.
مناقشة هذا المقال