بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،
“الكاميلة”،”الجعبة”,”عمر”: اسماء مختلفة لآفة إجتماعية تنخر نظام العلاقات بين أفراد المجتمع ،والتي تجعل العمل التطوعي و الطوعي مجرد شعارات ترفع لكن في ما خفي و أضمر فلابد من “جطي تماك”، ولابد من “صبعي تماك “…
منطق سائد و مهيمن لدرجة انك وانت تنظم نشاطا او تشارك فيه حضورا ،تصلك همسات بعض المدعويين و هم يرددون :” يعلم الله شحال شيطو من هاذ النشاط “!!!
حتى و انت تتابع مباراة في كرة القدم ،تسمع المغاربة في مجالسهم يتحدثون عن ما يجنيه المنظمون و رجال الامن و تجار التذاكر و الفريق المحتضن من أموال من المقابلة ،و قليلا ما تسمع أن كل من توجه إلى الملعب فهو في مهمة ابراز قدرة المغرب على التنظيم و قدرة فرقه على نيل البطولات و قدرة جماهيره على تملك الروح الرياضية فائزين او خاسرين ….
كل هذا مغيب عند الغالبية ، كل همهم هو احتساب الأرباح الغير مشروعة و المشروعة ، لدرجة أن الكل يعتقد ان العمل التطوعي او المبادرات الاشعاعية التي تخدم الوطن وصورته كلها مجرد غطاء للنهب والسرقة ،
فإن كنت وطنيا وتباهيت بوطنيتك سموك “عياشا”, وكأن هناك جهات تدفع لك مقابل التعبير عن وطنيتك.
حتى اصبح مجرد سماع اسم :الدرك الملكي ، فيعني “الباراجات” و “الرادارات”، و حصاد اليوم بالملايين من سائقي الشاحنات.
وعندما تسمع اسم القائد و الشيخ و المقدم ، تقفز إلى ذهنك صور عشرين درهما مقابل شهادة السكنى ،واتاوات الباعة المتجولين التي يجمعها الشيخ و المقدم لسعادة القائد .
وعندما تسمع اسم القوات المساعدة ، تستحضر شبكة كراء المظلات الشمسية بالشواطئ في الصيف .
اما رجال الجمارك ،فمجرد ذكر اسمهم تبدأ في عد المنتجعات والفيلات و الممتلكات باسم الزوجة و الاقارب .
اما استاذ السلك الاول و الثاني فإسمه يحيل الى الساعات الإضافية و امتصاص دماء التلاميذ وآبائهم شهريا وطيلة السنة .
اما أساتذة التعليم العالي فلا احد يذكر بحثهم العلمي اكثر من إلصاق تهمة الجنس مقابل النقط بهم.
لا داعي ان اقتحم باب المحاكم ،فالقضاة والمحامون ومكتب ضبط المحكمة و النيابة العامة حتى تصل باب السجن و مديره الى مسؤول المعبر و ممون التغذية …. المحاكم تعني عند الناس :” البيع و الشراء”.
الفقيه بيدوفيل ، والبرلماني شفار ،و التاجر غشاش و…..
الأمثلة كثيرة و مستفزة ، حتى اصبحت صفة الطالبة و الفنانة و الممرضة لصيقة بالعاهرة ، والمصحات والاطباء و الصيدليات لصيقة بتجارة التحاليل و الأدوية .
هذا الحكم الجائر و المسبق على الناس حسب مهنهم هو الذي يخلق ذلك التطبيع مع الفساد ، ويعطيك الانطباع أن الكل” يأكل” الكل ، وأن لا احد يقوم بعمل “في سبيل الله”.
هذا هو الذي يفسر لماذا نظامنا العلائقي تشوشه احكام القيمة بسوء نية ، فالفتاة “المتبرجة,غير المحجبة ” عاهرة او فاسدة ، و المحجبة لا علاقة لها بالدين ،فقط تبحث عن زوج عبر لعب دور العفة ، اما المنقبة فهي تختبأ من الناس لماضيها “الخانز”, ولا علاقة لها لا بالإسلام ولا بالافغان.
لا أحد ينكر أن الصورة النمطية التي يكونها المجتمع عن سلوكات أفراده لا تأتي من فراغ ،ولكنها تراكم وقائع و أحداث يستشهد بها في استصدار الأحكام على تلك السلوكات ،
لكن التعميم هو الذي يقتل في المرء حسه الوطني ووطنيته و شعوره بالانتماء إلى منظومة عادلة تنصفه و تحميه و تقدر عمله ،
لكن عندما يكون السائد هو القول بأن كل شيئ فاسد ،فنحن امام حالة انفصام مجتمعية ،فيها تطبيع مع الفساد و الجريمة و هتك الاعراض ، و الإغراءات المغرضة و السلوكات المشينة .
ومع الاسف هذا التنميط الذي ورثناه من زمن المستعمر اصبح حتى بين القبائل و الجهات و المناطق ،فيلصق الحشيش بالريف على حساب عزتهم ، و تلصق “الكارتيات” بالصحراء على حساب وطنيتهم ، واكتفي بهذا فالباقي عندكم معروف .
إن الذهنية المغربية التي ترى في كل ما يتحرك مصلحة شخصية ،و بحثا عن حقي في “الكاميلة”, و ان مبادرات الأفراد تستوجب “الجعبة”و “عمر”، و”سيذي قاسم “, هذه الذهنية هي واحدة من أكبر معيقات التنمية في بلادنا ، حيث تبرمج الدولة الميزانيات للمشاريع ،فيبدأ الفساد من القمة ،من فكرة إحداث المشروع التي لا ترتبط بحاجة المجتمع لذلك المشروع اكثر من خلق قناة صرف اموال على مقاس فلان و علان ،
لذلك في المغرب نفكر جيدا و لا ننفذ جيدا ،لا لشيئ سوى لأن القاعدة تقول ان النهب و السرقة يتم من فوق الى اسفل بشكل أشبه ب “سلسلة انتاج الفساد “,
ولكم ان تتخيلوا كم مرة وقف ملك البلاد على عديد اعطاب تهدد استقرار الوطن ، فما ان ينتهي من خطابه الا و انطلقت المبادرات و الميزانيات لتنزيل توجيهاته ، ولو كان كل واحد يقوم بذلك حبا في ملكه ووطنه وشعبه لنجحنا في كل الواجهات ،لكن الحال غير الحال ….
نقول ذائما انه وجب الضرب بيد من حديد على الفساد و المفسدين ، لكن ما يؤلم ان لا احد من المغاربة اصبح يؤمن بوجود الصالحين و الفالحين و المؤمنين بالوطن و الشعب ،
لا أحد يصدقك اليوم حين تعمل بنكران ذات ،و تضحية و تطوع ، لأنك بكل بساطة عند البعض مجرد بهلوان يتطوع كذبا لنهب المال …
حتى ان اكبر المتشائمين يكرر على مسامعك :” ويل لمن تشير له الاصابع ولو بالخير “,
لذلك الكل يختبئ في زحمة المجتمع و الكل ينظر الى الآخر على انه فاسد ،
وهذه اكبر آفة تنخرنا على الإطلاق ووجب الوقوف عندها بحزم ودراسة و تمحيص.
فهل تعتبرون ؟
مناقشة هذا المقال