الجراريون يقلدون أهل تيزنيت وقاموا بتسوير تالعينت
لا توجد قرية حاولت تقليد تيزنيت كما فعلت تالعينت الجرارية، اذ نسخ حكامها معظم المأثر التي ميزت تيزنيت، وهكذا شرعوا في تسوير القرية سنة 1319ه-1901م، ثم أنشئوا لاحقا قصبة كبيرة على غرار القصبة المخزنية قرب العين الزرقاء وجعلوها مقرا للحكم. وحسب الاكراري فقد “تزامن بناء قصبة كبيرة، مشابهة للقصبة المخزنية بتزنيت على منبع العين (تالعينت) عندما تم تعيين الكيلولي على مدينة تيزنيت (1915-1917)[1]، ولم يتوقفوا عن هذا الحد بل حاولوا محاكاة المراكشيين من خلال انشاء معلمة تشبه حدائق المنارة بمراكش.. وهذا ما استرعى انتباه الباحثين الذين اعتبروا “ان التنافس بين القرى لإضفاء الطابع الحضري على هيأتها، يظهر جليا في تسوير “تالعينت” ونعتها بمدينة صغيرة، كنوع من النزاع الخفي مع تيزنيت، بل توجهت تالعينت نحو محاكاة مراكش، بإنشاء صهريج محاط بمنتزه بالركادة..[2] ويتخذ النزاع بين القبيلتين المجاورتين أوجها مختلفة، اذ اكتسب النزاع طابعا مائيا أحيانا، من خلال المجاذبة على اقتسام مياه العين (الركادة)، الذي لم يحل إلا بعد تدخل الحماية الفرنسية، “ففي سنة 1926 تم الانتهاء من بناء صهريج لتقسيم المياه بين الجراريين وأهل تزنيت خلال زيارة السلطان مولي يوسف لتالعينت وتيزنيت..[3]
سرد الاكراري جملة من المآثر التي خلفها القائد عياد الجراري ومنها سور “العين” (تالعينت، لأن الاكراري قام بتعريب جميع أسماء الأماكن التي وردت في كتابه)، الذي تقر به العين، وتحصنت به الأنفس عن الغين”.. ويصف المؤرخ في “روضة الأفنان” مكونات السور، الذي أقيم لتحصين القرية من هجومات القبائل المعادية: “لسور “العين” بابان، وللضيف بابان، جنوبي وشمالي، فأهل الأيمن في اليمين، أهل الشمال في الشمالي، وله ستة عشر برجا، أبوابه كانت في الظاهر روجا”..[4] وأرجع السوسي تاريخ بناء سور تالعينت الى مطلع القرن العشرين، بعد واقعة هجوم قبائل مجاورة على القرية، حيث “قام أهل تالعينت يبنون السور على قريتهم وذلك سنة 1319ه-1901م”..[5] وقد وردت نفس الاشارة لدى الاكراري كما يلي: “بناء سور “العين” ابتدئ في الأشهر الأولى من عام تسعة عشرة وثلاثمائة وألف 1319ه أول ما نزل القائد محمد انفلوس بتزنيت (عين بتزنيت سنة 1901م خلفا لسعيد الكيلولي)[6] وحسب نفس المصدر المذكور، فإن الفترة التي استغرقها بناء السور، هي “ثلاثة عشر شهرا، بنته القبيلة جميعا: 25 خدام لكل خمس، أهل “العين”، آل الركادة ولباير وسنطيل وغبولة، آل إدغ، آل إغرم، آل الذراع الأبيض (ايغيرملولن).[7]
أما دواعي قيام حكام تالعينت بتسوير القرية وتحصينها، فترجع الى عدة عوامل أبرزها الحصار الذي فرضه الايليغيون بقيادة الحسين أوهاشم على تالعينت أواخر القرن التاسع عشر.. فقبل الإطاحة بمحمد بن علي الجراري وإلقاء القبض عليه فرض الايليغيون حصارا شديدا على قصبته في تالعينت ويروي السوسي: “فحاصروا “قصبة العين” حصارا شديدا وصار الفحص كله للمرابط (الحسين اوهاشم) إلا ما كان من القصبة. ثم لما أعياهم الحال بعثوا للشيخ المذكور بعض أصدقائه يستمليه للصلح فانخدع له الشيخ المذكور. وقال له إن المولى الحسين حلف على خروجك من “القصبة” ولا تبر بيمينه إلا بخروجك، وعلى كل حال إن شاء الله تخرج في الأمان. وعن قريب إن شاء الله ترجع لمحلك فأطاعه. وخرج بعياله وأصحابه، وبمن كان معه في داره، وقصد دشرة “ايغبولا” فسكن بها. ثم دخل المولى الحسين “قصبة العين” ومن معه فخربوا وحرقوا، وردموا رأس العين بالأحجار والتراب. فخلا لهم الجو ب”أزغار” فاستوطن المذكور بعض المداشر في الطرق المسندة مع أرضه. فصارت السفراء بينهما تجيئ وتذهب والمولى الحسين يسر الحسنو للشيخ المذكور في ارتغاء، فأتى به في قصة طويلة فقبض عليه. وحبسه بقلعة ايليغ بتازروالت الى أن مات بها رحمة الله عليه محبوسا”..[8]
كما ساهم تعرض الجراريون لهجومات مباغثة من القبائل المعادية في تسريع عملية بناء سور على القرية لتحصينها. ويروي السوسي تفاصيل الهجوم قبائل ادوبعقيل والبعمرانيون وجزء من الجراريون (اهل الركادة والبوير) على تلعينت كما يلي:
“حين رجعت حملة الكيلولي عن سوس 1318ه-1900م قامت الهيعة على القواد. قام الجراريون على قائدهم (عبد السلام بن محمد) وعلى خليفته عياد. فسروا إليهما ليلة بسرية كبيرة من البعمرانيين وأهل تازروالت، فلم يتمكنوا من الفتك بهم، بعدما خالطوا ديار تالعينت… ويضيف نفس المصدر، “التقى الجراريون والبعقيليون والقبائل البعمرانية ومعها أحمد الأشكر وأمثاله من البعمرانيين وبعض المجاطيين في مؤتمر عند نطفية “مهمار” بين “إيغبولا” و”العوينة” ثم الى “أتبان” وبينما القائد (الجراري) في “أتبان”،، اذ ائتمر الجراريون والتازروالتيون والبعمرانيون سرا في أن يسروا الى دار القائد (الجراري) لانتهابها، ففعلوا ذلك بإرسال سرية ولكنهم لم ينجحوا بعدما خالطوا الدار، وقد كان هناك بعض المدافعين، فانتهبوا بعض ديار اليهود، فقتل أناس في حرب دامت من الصباح الى الزوال. وقد كان عياد وإخوانه وأبناء عمومته وعبيدهم وأهل “العين” هم المدافعين عن الدار. فهكذا فشلت السرية فنكصت عن عقبها”..[9]
وبعد صد هجوم القبائل على تلعينت فرض القائد الجراري عقوبات على الجراريين، الذين اتهموا بتسهيل وقوع الهجوم او سمحوا بمرور المهاجمين بسلام، خصوصا قرية مجاورة لتلعينت تدعى “ادبوزيد” التي دخل منها المهاجمون، يقول السوسي: “وقد كان اهل “ادبوزيد”هم الذين أدخلوا على “العين” هذه السرية، فحسب عليهم القائد (عبد السلام) ثمن ما ضاع بسببها، فدفعوا ذلك البستان (جنان موسى) الذي قلنا أنه الوحيد الذي ملكه جديدا القائد عبد السلام.. [10]
عسس على أبواب تالعينت
بعد وقوع خلاف بين القائد وشقيقه وضع عبد الله بن عياد الحراسة على أبواب تالعينت لمراقبة الدخول والخروج، ويروي السوسي أن خلافا ثار بين محمد عبد الرحمان بن عياد (الذي عاش فترة في بيت والده عياد في قرية إدبوعبان بمنطقة ايغيرملولن) وأخيه الكبير القائد عبد الله بن عياد بعد زيارته لوالده (عياد) الذي كان إذ ذاك في الرماني (زعير) فأنكر عليه عبد الله زيارته له بلا إذن منه، فسجنه لذلك خمسة أيام، فثار ثائره فذهب غضبان وحده. فكان ذلك هو السبب حتى جعل القائد الحرس على أبواب تالعينت، فلا يدخل داخل ولا يخرج خارج إلا بإذنه..[11]
مناقشة هذا المقال