تتبعت كباقي الفاعلين التربويين النقاش الدائر هذه الأيام بشأن النموذج التربوي الذي سيتم اعتماده لتدبير الدخول المدرسي للموسم الدراسي 2020/2021. كثيرة هي الآراء والمقترحات، وكثيرة هي التصورات والتصورات المضادة. في خضم هذا التدافع الفكري المطلوب، لكن في شكله الرسمي، أحببت أن أدلي ببعض الملاحظات الأولية في الموضوع:
– مناقشة أمور مصيرية، كمسألة النموذج التربوي الواجب اعتماده إجمالا لإخراج المدرسة المغربية من وضعيتها الحالية، والنموذج الاستثنائي لتدبير هذه الوضعية الطارئة، يجب أن تتم بين أهل الاختصاص من جهة وبإشراك مختلف شركاء المدرسة. فحينما نتحدث عن أي نموذج حضوريا كان أو عن بعد أو تناوبيا، فإننا إزاء بارديغم تربوي مؤطر بخلفيات علمية وبأدبيات تربوية عميقة…ولا يتعلق الأمر بمجرد اقتراح أو اختيار نموذج والبحث عن سبل التصريف بعد ذلك. لهذا، يحب أن نميز بين النموذج الحضوري الذي يعطي الأولوية للتعليم التفاعلي والتعلم وبين النموذج المسمى عن بعد، والذي يتمحور أساسا حول التعلم الذاتي، الذي يتم وفق إستراتيجيات متنوعة…لم يتم الاشتغال عليها كثيرا في مدارسنا….إلا في السنوات الأخيرة بعد إدراج مشروع القسم….
– استحضارا لواقع مدرستنا، أكاد أجزم بأن التعليم عن بعد لا يمكن له البتة أن يحل محل التعليم الحضوري بأي حال من الأحوال لعدة اعتبارات، منها ماهو مرتبط بسيرورة العمل التي يتم الاشتغال معها لسنوات مع التلاميذ داخل الأقسام، التي تعطي أولوية كبرى للمراقي الدنيا لصنافة بلوم…والتي أنتجت أجيالا يصعب عليها الاشتغال بعيدا عن حضور الأستاذ…وهذا شيء سلبي للغاية. كما هناك اعتبارات أخرى مرتبطة بالعتاد واللوجستيك اللازم لإنجاح التعليم عن بعد، غير المتوفر لدى أغلبية التلاميذ….لهذا فلا مناص من التعليم الحضوري
– الانطلاق الطبيعي لأي موسم دراسي يبدأ بمرحلة التقويم التشخيصي الذي يتطلب عدة عمليات، من الصعب بل من المستحيل أحيانا أن تتم عن بعد…إعداد الروائز، تمريرها، تفريغ النتائج، تفيئ التلاميذ حسب الحاجات وأخيرا اقتراح خطة الدعم والمعالجة بمنطق فارقي…هذه العمليات المترابطة تستوجب التفاعل الصفي المباشر….وبما أن الموسم السابق، خاصة في شقه الثاني، كان استثنائيا؛ فإن مرحلة تقويم المستلزمات لهذا الموسم ستكتسي طابعا مختلفا وستمتد على مدى زمني أطول من المعتاد لهذا، ففي غياب التفاعل الحضوري، لن تكون مخرجاته في المستوى المطلوب …
هذه فقط ملاحظات سريعة وأولية، يستنتج منها أن التعليم عن بعد لن يكون بديلا ناجحا للتعليم الحضوري، لأن منطق التعليم ومنطق التعلم بينهما خيط رقيق، لكنه حاسم….
وإذا استحضرنا الوضعية الوبائية المقلقة، استحضرنا سلامة بناتنا وأبنائنا وسلامة أطرنا التربوية والإدارية التي هي أولوية الأولويات….لأن الحياة والحفاظ عليها هي أسمى ما في الوجود، فإن الاختيار بين الحضوري وعن بعد يبقى مسألة غاية في الصعوبة. لهذا فلابد من أخذ رأي الجهات المسؤولة عن الصحة بعين الاعتبار قبل اتخاذ أي قرار من شأنه أن يشكل مقدمة لقرارات أخرى أكثر تأثيرا على الوضعية العامة…
نرجو السلامة للجميع، ونرجو أن يتم الدخول المدرسي في شموليته في أحسن وأفضل الظروف…وكلنا ثقة في الله عزوجل ثم في قرارات مؤسساتنا الرسمية
ابراهيم عفيف فاعل تربوي.
مناقشة هذا المقال