متابعة
استطاع المخرج التزنيتي ” محمد أبوري ” انجاز عشرات العروض المسرحية ضمن سياقات متعددة ، و تجارب متنوعة تميزت بالبحث المتواصل عن إيجاد لنفسه مكانةً ضمن المسرحيين المغاربة الكبار ، و الانتقال بالمسرح في مدينة تيزنيت من الهواية الى الإحتراف .. تجربة مسرحي ، قرر كسر رتابة المسرح التقليدي الأمازيغي و اشتغاله على عوالم المغازلة السطحية ، الى مسرح أكثر جرأة و جاد يتبنى متطلبات الحياة اليومية في عمقها ، و يعري عن مظالم اجتماعية تلازم المجتمعات المحافظة ، معتمداً على رؤيته الإخراجية و تصوص لها زخمها ، بحثاً عن إمتاع الجمهور دون تكلف ، حيث يختار في أغلبية عروضه كسر الجدار الرابع بينه و بين المتلقي بمختلف مستوياته ، و في نفس هذا الإطار جاء العرض المسرحي الأخير ” تيضاف ” كما حدثنا عنه ، بكل تجرد .
[smartslider3 slider=22]
نبذة مختصرة عن ” المخرج ”
محمد أبوري مخرج مسرحي ، من مواليد سنة 1977 بماسة ، يمارس التمثيل و المسرح منذ تسعينات القرن الماضي ، بدأ منشطاً تربوياً ، تخصص في التعبير الجسدي ، التجربة التي قادته الى التمثيل و عوالم المسرح ، قبل أن يتفرغ للتفعيل كمخرج ، إشتغل مع عدة جمعيات و فرق مسرحية ، استهواه البحث أكثر ، و مهتم أكثر بتقوية تجربته المسرحية ، و هو يشتغل اليوم على العمل المسرحي ” تيضاف ” ، برفقة طاقات شبابية محلية في المسرح بمدينة تيزنيت .
فوبيا و اصطدام …!!
يحيلنا عنوان المسرحية (تيضاف) إلى الحضية بالأمازيغية ، ” المراقبة المتلصصة ” مصدرها و مسبباتها ، وكيف يتعطل العقل و تتجمد العواطف بفعل ضغوطات تحت العين ، التي تمارسها السلطة ، المجتمع و حراس الفضيلة و الأخلاق . حيث تصبح ” الحضية ” وهما مرضيًا ملازما لنا ويعمل على تعطيل حريتك ، و تصير حياتك كلها على محك السقوط ، لتشكل رعباً حقيقياً يلاحقك أينما ذهبت حتى تصبح فوبيا .. اختيار المخرج ” محمد ابوري ” ، نص الكاتب و المخرج المسرحي ” بريخت ” ، الذي كان تحت عنوان ” هو يطارد الشيطان ” ، لم يكن اعتباطياً ، و رغم أنه تم تقديمه في العرض التجريبي الأول تحت عنوان ” إستيغن ” ، أو الشقوق ، حيث حاول مغربته ، و حمله على نوع كبير من الجرأة و كسر الطابوهات ، و تحويل النص المقتبس الغريب الى نص حي تتفاعل مجرياته مع الحياة اليومية المحلية ، لتقديمه للجمهور التيزنيتي ، حيث تفوق نوعاً ما في إكساب عرضه صيت جريء محترم ، لكن الاشتغال عن النص رفقة الممثلين داخل ورشات التدريب ، جعلهم يحولون العنوان ، الى ” تيضاف ” ، حيث مع إستمرار اشتغالهم على المشاهد ، جعلهم يقفون على ضرورة تطوير عملهم ، خاصة في الاداء حيث تم تغيير أحد الممثلين لخلق توازن يميل لحضور مكثف اصطدامي بين الجنسين ، و هو ما استدعى ايضاً تطوير الجانب اللغوي كذلك ، و تحويره نحو الاصطدام أكثر مع الثقافة المحلية المحافظة ، المتشبعة بثقافة ” الحضية ” . في خرجة معلنة عن ضرورة إسقاط ثقافة التلصص و المراقبة للانثى ، و على ضرورة تحرير المرأة من قيود السلطة الذكورية .
تثمين الثقافة الأمازيغية المنسية .. !!
العرض بجرأته رغم أن البعض اعتبره فضائحياً ، فالمخرج يراه أنه لم يخرج من الجرأة و الجو الاحتفالي التي تطبع فرجة إمعشار الشعبية، التي يدفع البعض لإفقادها روحها عبر دوامات و بهرجة بعيدة عن الجو الاحتفائي و النقذي للفرجة التراثية ، التي تعتمد على منسوب عالٍ من المواجهة المباشرة و السخرية الجريئة و خصوصية لغوية فريدة تستفز المخيال الفقير و السياسي الأناني و رجل الدين المتزمت ، و بإعتماد كلي عن القناع ، تم اللجوء إليه في بناء العرض و فقراته ، الى جانب العمل على الايقاعات الموسيقية التراثية ، الى جانب الفنان ” هشام ماسين ” حيث كان حضوره وراء الستار بمعزوفاته إضافة فنية للعرض ، و نوع من الترف المسرحي الذي أمتع بها الجمهور الحاضر .. و يضيف المخرج ، أن المسرحية مركبة ذي خصوصية محلية أمازيغية خالصة ، و هو ما خول للحاضرين بدار الثقافة خير الدين ، أن يتجاوب مع اغلبية مشاهدها بشكل متؤثر يقطع الأنفاس، و يشاركهم عالم الحضية كنوع من تكسير المسكوت عنه في ثقافة تدفع بالاشخاص نحو التصنع و الزيف ، و هو ما أعطى ثقة زائدة للممثلين لإعطاء كل ما لديهم عن خشبة المسرح ، حيث ابدعا الممثلين ” خديجة و عابيد ” في أداء أدوار مركبة استحسنها الجميع ، رغم أنه اكتشف الاداء القوي ل ” تيدار ” على خشبة المسرح ، حيث كان مقصوداً يراد به تكسير الهيمنة الذكورية و توجيه الانظار أكثر نحو الحضور الأنثوي بتعابيرها الرمزية جسدياً ، و تفاعلاتها النفسية الممركبة و المتقلبة التي استجابت له الحوارات المجسدة .
خلاصة رحلة ” تيضاف ” … !!
بأسلوبه المعتاد ، يأخذنا المخرج أبوري في رحلته المحفوفة بالمخاطر، إلى عالم مسكوت عنه، لا مخرج له ، رحلته التي تدور أحداثها حول رحلة الفتاة ” تيدار ” في مجتمع الحضية ، من أجل العبور إلى الضفة الأخرى، لعلها تصل إلى الجنة الباردة و تظفر بالقليل من الحياة لتحقق حلمها في الاستقرار و العيش الرحيم ، أوتصبح ضحية لهذه الرحلة العجيبة والغريبة التي قد تدفع حياتها ثمنا لها، إن اخفقت . يكسر المخرج كل التوقعات، حيث ينقل المشاهد ليقرب لهم المرأة ” تيدار ” من مختلف الزاويا ، النظرة الدينية في مشهد الراهبة ، و الأسرة مع الأب بريك ، المثقف مع الفيلسوف أماسان ، الى جانب النظرة الشعبية ” أضاف و المشعوذة ” ، تختلط الزوايا مع بعضها البعض، و تبقى على تصميمها في طلب الحياة و الحرية و الكرامة ، و رغم أن الجميع يحاول إخفاء الوجه الآخر ، الا أن ” تيدار ” تصر عن إماطة اللطام عنه ، و هو ما نجح فيه المخرج ايضاً ، حيث جعل الجمهور يتفاعل مع عرضه دون إرادته ، و جعل حتى أغلب من يرون عرضه فضائحياً يغرقون في ” الانتشاء ” الى أن تم إنزال الستارة ..
مناقشة هذا المقال