Atigmedia
المصداقية والدقة في الخبر

علي بوطوالة : جائحة كورونا فرصة أمام الدولة المغربية لإعادة النظر في سياساتها…

حاوره هشام ناصر
علي بوطوالة، الكاتب الوطني لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ، أستاذ الإقتصاد بمركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط.

س1- إلى أي حد استطاع المغرب بلورة سياسات عمومية تضمن الاستقرار الإجتماعي، علما أن عدد من المراقبين يرون أنه بمجرد مرور بضعة أيام على فرض حالة الطوارىء حتى اندلعت بعض التمردات لأشخاص يرفضون الخضوع للحجر الصحي؟

ج1- هذه الأزمة غير المسبوقة كشفت في الحقيقة الهشاشة الكبرى لبعض مجتمعات دول الجنوب، وضمنها المجتمع المغربي، هاته الهشاشة تتجلى في غياب دخل أدنى للإدماج الاجتماعي كما هو معمول به في أوروبا، وبعض المجتمعات الصاعدة. ففي غياب دخل أدنى للإدماج الاجتماعي يتوصل
به جميع من لهم وضعية هشة في المجتمع، تساعدهم على مواجهة متطلبات الحياة اليومية، فهذا يجعل شرائح كبيرة جدا تتراوح ما بين 4 و5 مليون من الأسر المغربية مهددة في قوتها اليومي كلما توقف نشاط معيلها، وبطبيعة الحال ومع فرض حالة الطوارئ الصحية. الكثير من الحرفيين وذوي الدخل المحدود أجبروا على التوقف عن ممارسة أنشطتهم، وهذا جعلهم بين عشية وضحاها معرضين للجوع والتشرد، وهذا خطير جدا، وهو ما كان يحذر منه اليسار دائما، على أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تغليب التوازنات الماكرواقتصادية والمالية على التوازنات الاقتصادية والاجتماعية. مع الأسف الآن كشفت مخاطر السياسات اللاشعبية واللاديمقراطية التي استمر تطبيقها في بلادنا طيلة العقود الستة الماضية، ووصلنا إلى منعطفات خطيرة جدا، ونحن نتمنى أن تستفيد الدولة وجميع الفعاليات، وكذا كل القوى الطبقية التي كانت مستفيدة من النموذج التنموي الفاشل من هذا الدرس. الآن ينبغي على الجميع إعادة النظر في ما سبق، واستخلاص الدروس والعبر مما حصل، ونحن نتمنى أن تكون هناك فرصة بعد نهاية هذه الأزمة لإعادة النظر في كل الإختيارات الإستراتيجية للدولة، وبالخصوص في السياسات العمومية، والإستفادة من نماذج البلدان الأسيوية التي أتبتث نجاعتها، خاصة الصين وكوريا الجنوبية، في التصدي لمثل هذه الكوارث الطارئة..

س2- هل اكتشفت الدولة بشكل متأخر خطورة الهشاشة الاجتماعية على السلم الإجتماعي، علما أن ثلثي المغاربة تقريبا يشتغلون في القطاع غير المهيكل، وفي ظل وضعية اجتماعية غير مستقرة؟

ج2- تماما.. الدولة تتوفر على إحصائيات دقيقة، حيث قامت بوضع ما يسمى بالسجل الاجتماعي لإحصاء جميع السكان النشيطين المشتغلين في القطاع غير المهيكل، وهي فئات واسعة جدا. وبطبيعة الحال فالدولة تأخرت كثيرا في معالجة هذه المعضلة لأن ظاهرة الاقتصاد غير المهيكل بدأت تتوسع بشكل مستمر منذ تطبيق سياسة التقويم الهيكلي في ثمانينيات القرن الماضي، وقد دفعت النتائج الكارثية لهذه السياسات بالأغلبية الساحقة من السكان النشيطين إلى ممارسة أنشطة موسمية وذات دخل محدود، لأنه لا خيار أمامهم لإعالة أنفسهم وأسرهم، وتلبية حاجياتهم الأساسية من أجل الاستمرار على قيد الحياة. هذه الوضعية ينبغي معالجتها بشكل جذري.
في ما يتعلق بالصندوق الذي تم إحداثه بأمر ملكي يعد مبادرة إيجابية جدا، ومع الأسف لم تتجاوب معه العديد من الفئات الموسرة التي اغتنت على حساب الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي، كذلك الحكومة لجأت إلى الحلول البسيطة والسهلة، عوض اللجوء إلى الحلول الجذرية لرفع مداخيل الصندوق، إذ كان من الممكن ان تصل به إلى حدود 50 مليار درهم، وهو ما سيمكنها من حل الكثير من المشاكل العويصة المطروحة حاليا، خاصة ما يتعلق بالسلم الاجتماعي، بدل اللجوء إلى تجميد ترقيات الموظفين في العديد من القطاعات، في الوقت الذي يبذل هؤلاء الموظفون العديد من الجهود الكبرى للمساهمة في محاصرة الجائحة.

س3- ماذا بعد جائحة كوفيد 19، هل ستستخلص الدولة الدروس والعبر الكافية بهذا الخصوص، وماهي أبرز الاقتراحات التي يمكن طرحها في هذا الإطار؟

ج3 – من المصادفات أن تتزامن هاته الجائحة مع النقاش الذي كان سائدا حول بلورة نموذج تنموي جديد، بعد أن تبين فشل النموذج السابق. وبالتالي فالمناسبة الآن سانحة وفرصة كبيرة للدولة من أجل إعادة النظر في السياسات العمومية التي كانت مطبقة، وأن تسهر على وضع نموذج تنموي حقيقي كفيل بتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية شاملة، تنمية مستدامة تراعي البيئة، تنمية تراعي الاحتياجات الأساسية من أكل وملبس، وسكن لائق، وكذلك التنقل المريح، والاهتمام بالقطاعات العمومية (التعليم، الصحة، النقل، الإدارات العمومية..) وكل المرافق التي تتوقف عليها الحياة اليومية للمواطنين والمواطنات، لأنه بدون بناء مجتمع متماسك، مجتمع متضامن، مجتمع ينتج الثروة، ولكن أيضا يستفيد أبناؤه وبناته من التوزيع العادل لهاته الثروة، بدون هذا البديل الشامل والمتكامل لن يكون هناك مخرج من هذه الأزمة، وستكرر الأزمات، ونحن نتمنى أن يستفيد المسؤولون، وأن تستفيد الدولة من هذه الجائحة، عبر الإنصات لصوت العقل، من أجل رفع تحديات المستقبل، وهي تحديات كبرى وخطيرة.
منقول من موقع أنفاس

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.