بقلم ميلود بركي استاذ في العلوم السياسية. يعيش المغرب منذ سنوات خلت نقص حاد في انتاج النخب السياسية القادرة على التأثير والتغيير وصناعة الحدث، ولذلك فهذا النقص على مستوى النخب السياسية له تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية على المجتمع والدولة وبالتالي لا نجد ذلك المثقف العضوي القادر على الاندماج في المجتمع والمساهمة في تـأطيره وتكوينه سياسيا وفكريا من اجل قلب المعادلة واحداث ثورة حقيقية في البناء المجتمعي على صعيد الفكر والممارسة وتغيير المشهد السياسي ككل. وتتداخل عوامل عدة في هذا النقص الحاد في عدد النخب السياسية منها مساهمة الدولة في استبعادها او اقصائها من المشهد السياسي بطريقة او بأخرى لأنها مزعجة وتثير حفيظة بعض فلول النظام، ولذلك فهي اما تغادر الى مكان ارحب للاشتغال بحرية واما يتم ترويضها حتى تتماهى مع ما يريده النظام السياسي منها من مكانة هامشية داخل المشهد السياسي المغربي ككل ، و تفقد بذلك تلك السمة وذلك البريق السياسي القادر على صناعة التغيير. والسبب الحقيقي وراء تدخل الدولة في ترويض النخب السياسية هو كونها عامل حاسم في تغيير المشهد وقلب المعادلة ، فخلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كانت النخب السياسية عامل تأثير حقيقي على الجمهور العريض من المجتمع، ونجد الالاف من الجمهور من يؤثثون قاعات الندوات او مدرجات الجامعات لحضور ندوة او محاضرة من تأطير احد الأساتذة الجامعيين او المناضلين الشرسين داخل اليسار بالمغرب ، ونجد ذلك النقاش المستفيض حول الأحداث السياسية آنذاك ،وكانت هاته الندوات واللقاءات العلمية تؤرق بال النظام السياسي لذلك كانت هناك مضايقات ومتابعات ومحاكمات خارج اطار القانون وأحيانا الرمي في غياهب السجون دون أبسط شروط المحاكمة العادلة لبعض السياسيين سواء من اليسار او اليمين ورغم هذه المضايقات كان المجتمع ينتج نخب سياسية قادرة على التغيير ومؤثرة فعلا في المجتمع لكن مع مرور السنوات لم يعد المجتمع ينتج نخب سياسية وأصبحنا نشاهد التفاهة بامتياز هي التي تخيم على المشهد عبر اعلام ممنهج ومحبوك وتحت التصرف. فتم تقزيم دور المثقف العضوي ان لم نقل استبعاده من المشهد السياسي ككل، فقلما نجد ندوات سياسية كبرى سواء في الاعلام السمعي البصري او داخل الجامعات الا قلة قليلة من النخب السياسية التي تناضل باستماتة وكأنها تحارب طواحين الهواء، وهذا الاقصاء الممنهج للنخب السياسية هو اقصاء مفتعل من طرف الدولة لأنها فطنت الى الدور الذي يمكن ان يلعبه المثقف العضوي في تغيير المشهد ككل ان تركت له الحرية للتواصل مع الجمهور وبالتالي اصبح يتم اليوم التسويق للتفاهة ولأشباه المثقفين الذين اصبحوا حاضرين بقوة داخل الساحة ويتم تضخيمهم بقوة و هذه كلها عوامل يتم نهجها من قبل النظام السياسي من اجل الهاء الجمهور عن المشاكل السياسية الكبرى التي تتخبط فيها البلاد ويعاني منها كذلك المواطن المغربي بشكل يومي .
أخيرا يمكن ان نقول انه لا تقدم للبلد سواء على المستوى السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي دون إعطاء دور الريادة للمثقف العضوي لكي يساهم في اغناء النقاش وحلحلة المشاكل بشكل عام، وبالتالي لا بد من إعادة صناعة النخب السياسية القادرة على التغيير وهذا الدور هو من اختصاص الدولة التي يجب ان تتحمل مسؤوليتها كاملة في بلورة استراتيجية متكاملة من اجل انتاج نخب سياسية حرة ومسؤولة وقادرة على قيادة المرحلة الراهنة ،فالمثقف العضوي بحجم الجابري او العروي هو ما تحتاج اليه امتنا للنهوض من جديد واحداث ثورة حقيقية على مستوى الفكر والممارسة.
مناقشة هذا المقال