بقلم سدي علي ماءالعينين ،أكادير ،غشت،2021.
يمكن القول بكل تجرد ان السياسة بالمغرب على مستوى الإستحقاقات الإنتخابية مرت من مراحل فاصلة، يوم كان الشعب يعبر عن إختياراته عبر صناديق الإقتراع،
كان إختيار الشعب معانقة قوى اليسار ،لكن آلة التزوير عبر صناديق الإقتراع ادت إلى تحجيم القوى اليسارية والوطنية لفائدة مرشحي المخزن،
بعدها وتحت ضعط الخارج، لم يكن ممكنا بناء خيار المؤسسات المنتخبة بالتزوير ،لتبتكر الدولة خيار “الأحزاب الإدارية” التي بدأت في أواخر السبعينات بالمرشحين المستقلين،الذين أصبحوا فيما بعد حزب التجمع الوطني للأحرار ، و ربيبه اليوم الإتحاد الدستوري،
استمر الوضع على ذلك الخيار لسنوات قبل حلول حكومة التناوب التي جعلت الدولة- للخروج من فشل خياراتها وضمان الإنتقال السلس للحكم من ملك إلى ملك- أن تنهج خيار الإنقلاب على اساليبها لتفسح المجال لليسار لتقلد المسؤولية، ممثلا بحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية.
بعدها جاء العهد الجديد بخيار الوافد الجديد (الأصالة و المعاصرة) ،الذي زاوج بين رموز من اليسار والاعيان،
وكان يشق طريقه بأريحية قبل أن يعصف الربيع العربي بكل الحسابات ليقود حزب العدالة والتنمية الإسلامي البلاد لعشر سنوات.
اليوم تحولت الأحوال، و لم تعد فرضية قتل الإسلاميين- كما كان الحال مع اليساريين- مطروحة، كما أن خيار المال و النفود مطروحا،
فتم فتح افق جديد لمكاتب الدراسات، انطلق من إختراق قلاع مختلف الفرقاء… ليس بمال شراء الدمم، ولكن بإمكانيات لوجستيكية ،مبنية على قراءة دقيقة للعملية السياسية، لنجد أنفسنا أمام آلة إنتخابية لا تؤمن بالإديولوجيات، ولا تعير حسابا لموازين القوى التي تجد منبعها من الحماس ومن شراء الدمم ولا من التزوير أو الميولات الدينية،
هناك دراسة عميقة للتحولات المجتمعية ،والقدرة على التحكم وضبط كل المكونات وفق دراسات و رصد لا تغفل كل صغيرة وكبيرة، مرتكزاتها مبنية على تقارير مختلف المؤسسات.
و لأننا أمام عملية تطويع للناخبين وفق حسابات دقيقة، كان طبيعيا ان نعيد إلى الممارسة إشارات البدايات، لتتم المزاوجة بين الحزب و المستقلين ،لتوزع عليهم حصص فائضة مبنية على حسابات دقيقة،
هناك حزب اليوم لا يخوض الإنتخابات بلوائح حزبه، ولكنه معزز بلوائح مستقلة، كما كانت النشأة في أواخر السبعينات، وهو إختيار حساباتي محكوم بوازع توزيع المقاعد.
هل هذا الخيار يخدم الحزب الذي يمارسه ،اكيد ان الجواب هو نعم،
لكن هل يخدم التجربة الديموقراطية ببلادنا ؟
الجواب أيضا بكل تجرد هو، ممكن،
لأن أحزابا لم تعد مرتبطة بعملها القاعدي، ومنصهرة في تيه مصالحها، افرغت العملية السياسية من محتواها،
وجاءت تجربة مكاتب الدراسات لتحل محل قيادات برؤية مجتمعية كانت ترصد وتنتقد و تحلل و تبني مؤشرات المستقبل،حيث كانت القواعد الحزبية تغني عن مكاتب الدراسات،
واليوم حين افرغت الأحزاب من مناضليها، أصبح طبيعيا ان تنقلب المفاهيم، وتنقلب معها النتائج الإنتخابية،
كل هذا وغيره لا يفقدنا الإرادة والعزم ان ننتصر للحزبية، وننتصر لإرادة البناء ولو كانت تعاكس خلاصات مكاتب الدراسات، لأن التجارب تقول :
قد تربح استحقاقا بمكتب الدراسات ،لكنك ابدا ومطلقا لن تبني شعبا، لأن الشعوب اهواء يمكن ترويدها، لكن الوطن والإستقرار،و بناء الأجيال ،كلها أمور تحتاج للوطنية و المواطنة،
وهنا المفصل،
فهل تعتبرون؟
مناقشة هذا المقال