أتيك ميديا : ذ لحسن راشدي *
صدر النائب الثاني لرئيس جماعة تيزنيت مذكرة تطلب من عموم المواطنين الالتزام بتقديم وثائق اضافية من اجل الحصول على رخصة البناء، وبعد ذلك ببضعة أيام صدر رئيس المجلس الجماعي قرارا سماه بالرئاسي يلغي من خلاله مذكرة نائبه الثاني، ما جعل هذه الأعمال الإدارية محط تساؤلات قانونية وتدبيرية مهمة، وأثارت هذه التصرفات ردود افعال متباينة في اوساط المهتمين بالشأن المحلي التيزنيتي.
وفي هذا الإطار هناك ملاحظات يمكن إثارتها في هذه الواقعة
أولا بخصوص مذكرة النائب الثاني
طبيعة المذكرة :
هي من القرارات الإدارية التنظيمية الكاشفة، “تنظيمية” بمعنى أنها عامة ومجردة وتسري على الجميع ولا تستهدف أشخاص بعينهم، و “كاشفة” بمعنى لا تنشئ مركزا قانونيا جديدا بل تفسر مقتضيات موجود، فهي لا ترتب التزامات جديدة، وبالتالي فهذا النوع من القرارات يمكن للإدارة سحبها في أي وقت وهي تنظم قواعد عامة.
المذكرة موقعة من طرف النائب الثاني للرئيس عن طريق ممارسة تفويض الإمضاء، ما يجعل الرئيس يتحمل مسؤولية تبعاتها وآثارها وعليه أن يمارس مراقبته في هذا الإطار، عكس تفويض الاختصاص.
بخصوص موضوع المذكرة فهي تتعلق بميدان التعمير وبالضبط في مجال “الشرطة الإدارية” منح رخص البناء، غير أن تقديمها واستنادها الى القانون 66.12 والدورية المفسرة لها لم يكون موفقا، باعتبار أن هذا القانون يهدف إلى تعزيز المراقبة وزجر – وليس جزر كما جاء في المذكرة – المخالفات في ميدان التعمير، ولا تنظم عملية منح رخص البناء، وكان على من صاغ المذكرة أن يعتمد على القانون 90-12 المتعلق بالتعمير وعلى القانون رقم 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات وعلى القرار المشترك لوزير التعمير وإعداد التـراب الوطني ووزير الداخلية رقـم 3214.13 صادر في 10 محرم 1435(14 نوفمبر 2013) تحدد بموجبه الوثائق اللازمة لملفات طلبات الرخص المقررة بموجب النصوص التشريعية المتعلقة بالتعمير والتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات والنصوص الصادرة لتطبيقها.
بالاطلاع على المذكرة يتبين أنها تلزم المواطنين من الإدلاء بوثائق اضافية من أجل الحصول على رخصة البناء وهو ما يتنافى مع طبيعة المذكرة الى تفسر مقتضيات قانونية ولا تحدث مركزا قانونيا جديدا، كما ان الوثائق التي يتطلبها الحصول على رخصة البناء محددة بالقرار المشترك لوزير التعمير واعداد التراب ووزير الداخلية المشار اليه اعلاه تنزيلا لمقتضيات قانون 12.90 المتعلق بالتعمير، كما حدد هذا القرار الوثائق التكميلية، وبالتالي لا جوز تعديل هذا القرار بمذكرة لنائب الرئيس، فهذه المذكرة معيبة شكلا لعدم توفرها على ركن الاختصاص.
ثانيا بخصوص القرار الرئاسي
طبيعة القرار :
من الناحية القانونية يصعب تحديد طبيعة هذا القرار، وإن كان يميل من حيث مضمونه إلى السحب.
بخصوص موضوعه فهو يستند إلى القانون التنظيمي للجماعات خصوصا المادة 103 وان لم يتم الإشارة اليها بشكل صريح وهي المادة التي تعطي الصلاحية لرئيس المجلس تفويض إمضاءه تحت مسؤوليته ومراقبته، لكن الغريب استناده الى ملاحظات المواطنين بخصوص مذكرة نائبه الثاني دون ذكر طبيعة هذه الملاحظات ومحتواها وهل الأمر يتعلق بمجرد ملاحظات شفوية أو ملاحظات كتابية أو تظلمات، كما أن الرئيس لم يستند إلى أسس صحيحة تجعله يتخذ هذا القرار، فهل الأمر يتعلق بخرق مسطري؟ أم اغتصاب السلطة بالمفهوم الإداري ما يجعل مذكرة نائبه الثاني معدومة الأثر ؟ أم يتعلق الأمر بتعسف وشطط في استعمال السلطة ؟ بالاطلاع على هذا القرار نجده يتحدث عن الإلغاء في حين ان الإدارة كيفما كانت لا يجوز لها الغاء القرارات لكونه من اختصاص المحاكم الادارية بعد رفع دعوى الإلغاء، ويكون بذلك قرار الرئيس اغتصابا لسلطة القضاء ويكون قراره قرار معدوم كأنه لم يكون، كان على الرئيس أن يطلب من نائبه سحب مذكرته، “فالإدارة لها حق سحب القرارات التنظيمية المعيبة ولا يحق لها إلغائها” فالأمر هنا يتعلق بمذكرة معيبة شكلا بعيب الاختصاص على الادارة سحبها، ويسري اثر السحب على الماضي والمستقبل.
إصدار قرار رئاسي من أجل إلغاء مذكرة يتنافى مع توازي الشكليات في القانون الإداري، كان بالإمكان إصدار مذكرة تعديلية أو قرار سحب المذكرة بنفس الشكليات دون الدخول في هذه المتاهات.
ان هذه الأعمال المتناقضة وغير محسوبة العواقب تحط من مكانة الإدارة وتمس بمصالح المواطنين، خصوصا أنها تتعلق بأهم صلاحيات الرئيس المتعلقة بالشرطة الإدارية.
*باحث في القانون
الإعلانات
مناقشة هذا المقال