متابعة اتيگ ميديا.
استمرارا لأنشطتها التشاورية في الليالي الرمضانية و في اطار تعميق النقاش حول واحات اقليم طاطا عقدت نافذة “مجموعة التشاور المدني لإقليم طاطا” لقاء دراسي عن بعد و استضافت الدكتور الحسين عمري و هو دكتور في علم الاجتماع تخرج بجامعة روني ديكارت السوربون بباريس في موضوع: ” أنثروبولوجيا الزوايا بجنوب المغرب تازروالت نموذجا”.
فبعد تقديم الباحث في العلوم القانونية، عبد العزيز شكوك كمسير للجلسة .و الذي أعطى نبذة موجزة عن حياة الدكتور المحاضر و أهم أعماله و التكوينات و المسؤوليات التي تقلدها.
تقدم الأستاذ الحسين عمري و افتتح مداخلته التي كان عنوانها : ” الواحة : اشكالية المحافظة عليها و استعمال الماء”. استهل مداخلته بطرح اشكالية الحفاظ على التوازنات البيئية و الإقتصادية و الاجتماعية بالواحة بسبب التغيير في نظرتنا للواحة.
وقام الأستاذ المحاضر باعطاء تحليل سوسيولوجي باعتماد الدراسات التي بلورها الباحث بول باسكون في اطار علم الإجتماع القروي ، وحاول الأستاذ المحاضر استثمار أهم افكار بول باسكون و مار اكمه في اطار ابحاثه من أجل رسم الخطوط العريضة و وضع التصورات التي من شأنها ان تساعد على الحفاظ على التوازنات الإجتماعية و البيئية و الإقتصادية بالواحة.
و اشتغل الدكتور المحاضر على مقاربة ظاهرة استغلال الفرشة المائية و مختلف الثروات التي تزخر بها الواحات من خلال سيوسيولوجية التمدن و التحضر وهي المقاربة التي من شأنها أن تعطينا الاشكاليات العقارية التي يمكن أن نلجأ اليها في الحفاظ على هذه الواحات من خلال ما يوفره لنا القانون خاصة قانون التعمير من أجل منع البناء العصري بالواحة التي يعتبرها الأستاذ مجالا جد حساس لأنها تتعرض للعديد من التهديدات منها ما هو مرتبط بالظروف الطبيعية و خاصة المناخ و التغيرات المناخية و كذلك ظاهرة التصحر و ملوحة التربة و منها أيضا ما هو مرتبط بفعل المتهور للإنسان الذي يقطن بالواحة أو بالأحرى الغريب عن الواحة لأنه في نظر الأستاذ القاطنين بالواحة من المفروض أن يكونوا قد اكتسبوا قدرة على التكيف مع ظروف الواحة و العادات التي من شأنها ّأن تبعد الأخطار و التهديدات عن المنظومة الواحاتية أو بالأحرى النسق المنظوماتي للواحة الذي يعتبره المحاضر جد معقد ويخضع لتغيرات و دينامية مستمرة لأنه يوازي ما بين المنظومة الإقتصادية الإيكولوجية و كذلك المنظومة المجتمعية.
وفي اطار حديثه عن التهديدات أشار الأستاذ الى العدو الأول وهو العمران أو البناء بمادة الإسمنت . هذا اضافة الى رمي الأزبال التي تنتج عنها تلوت البرك المائية بالواحة و يعتبرها كذلك من بين مسببات حرائق واحات النخيل وهذه ظاهرة تسببت في اتلاف الاف الهكتارات من المناطق الخضراء و الوف مؤلفة من اشجار النخيل.
دون اغفال الزراعات و الإستثمارات الفلاحية الدخيلة عن المنطقة و الثقافة الواحاتية خاصة الزراعات الموجهة للإقتصاد الرأسمالي و اللبيرالية المتوحشة خاصة زراعة زراعة البطيخ الأحمر.
كما أشار الأستاذ الى أن ظاهرة تقسيم الأراضي من شأنها أن تهدد الواحة حيث ان التقسيم يشجع على الفردانية بالتالي تفكيك البنية القبلية التي تشكل نسقا اجتماعيا و شرطة مجتمعية التي تحرس الواحة و تعمل على استمرارها و حمايتها من الفناء.
كما تطرق الأستاذ الى اشكالية استنزاف الفرشة المائية بالوسط الواحي و تناول الدكتور نقطة الماء من خلال العادات السيئة التي تساهم في الاستنزاف المفرط للفرشة المائية هذا الى جانب الجفاف الذي أصبح يهدد الاستقرار بالواحة. بالتالي أصبح من الضروري التفكير في تقنيات واستراتيجيات مضبوطة للاقتصاد في استعمال الماء، من اجل الحفاظ على التناسق بين المجتمع و البيئة واستدامة استقرار الإنسان بالواحة…
فالماء هو العنصر الذي اسست عليه القبائل و المجتمعات وجميع الإقتصاديات المحلية بالواحة و بالتالي فزراعة البطيخ الأحمر يهدد الإستقرار بشكل غير مباشر، لذلك يلزم على الجميع العودة الى الأصل و الحفاظ على الأنظمة التقليدية التي تعتبر نظاما اقتصاديا و اجتماعيا متوازنا مع متطلبات الطبيعة و مع الطبيعة بذاتها التي تضمن السيرورة و الاستدامة . لذلك يلزم توجيه الإقتصاد المحلي الى ما هو نافع للواحة اولا من خلال الزراعة المعيشية و عدم الإنسياق وراء الظواهر الخارجية و الغريبة عن الثقافة الواحاتية .
وفي هذا السياق استدل كذلك الأستاذ المحاضر ببعض الدراسات خاصة المتعلقة بعلم الاجتماع القروي و التي قام مجموعة من الباحثين و منهم بول باسكون الذي اشتغل على تجربة و التقنيات التقليدية لتدبير الماء بواحات منطقة تزروالت وقام بنقلها الى مناطق أخرى بموريطانيا.
وفي الأخير ومن اجل تجاوز مشكل العمران و اشكالية استنزاف الثروة المائية بالمناطق المحيطة بالواحة وجه الأستاذ مجموعة من الإرشادات و التوصيات واستحضر هنا حقل السياسات العمومية الترابية أو المحلية من خلال:
دعوة جميع الفاعلين المحليين و صناع القرار و مهندسي السياسات العمومية الترابية الى التفكير و الترافع حول سياسة استغلال المياه العادمة بعد معالجتها في سقي الحدائق و المساحات الخضراء التي يمكن ان تحافظ على النظام الإيكولوجي بالواحة. و هنا يوجه الدكتور سؤال استنكاري الى الفاعلين المدنيين لضرورة التفكير في الموضوع.
ثم كذلك من خلال ادماج مقترب الحفاظ على الواحة من خلال السياسة العمرانية بهذه المناطق حيث يدعو الى استعمال قوانين التعمير كألية لحماية واحات اقليم طاطا. بالتالي يتوجب على سلطة اتخاذ القرار بالمجالس الإقليمية ومجالس الجماعات استصدار قرار و ضوابط لمنع البناء بالواحات و يستوجب عليهم ادراج ذلك من خلال الدراسات الإدارية لإعداد تصاميم التعميم كتصميم التهيئة و تصميم التنطيق. او على الأقل منع البناء بمادة الإسمنت في المناطق المحيطة بالواحات لأن الإسمنت يعتبر عدو أكبر لمنابع المياه الجوفية.
ضرورة تثمين الزراعات الواحاتية و المنتوجات الطبيعية و التشجيع على زراعة أشجار النخيل و احداث وحدات لتثمين التمور و المنتوجات الطبيعية بالواحة لدعم الإقتصاد التضامني و المستدام بمناطق الواحات. و هذا لا يتأتى الا بالتنسيق التام بين الملاكين للأراضي المحيطة بالواحات و بين ذوي الحقوق بالجماعات السلالية و الدولة.
ضرورة التفكير في بلورة سياسة استثمارية صديقة للواحة و ذلك بالتدبير المعقلن للعقارات الفلاحية و توجيهها للزراعات المحلية كالزراعات البورية و انتاج التمور و ترشيد استعمال الماء، و التصدي كذلك لمافيا العقار و الرعي الجائر بالواحة و الذي يهدد تنوع الغطاء النباتي بالواحة.
استثمار الواحة في القطاع السياحي و ذلك بتشجيع تنظيم الرحلات السياحية الى هذه المناطق لتشجيع كذلك المستثمرين الشباب في القطاع السياحي خاصة دور الضيافة و القرى السياحية.
كما حث كذلك الأستاذ المحاضر الى ضرورة الترافع لادماج موضوع الواحات في النقاش العمومي المفتوح في اطار صياغة مخرجات النموذج التنموي الجديد.
مناقشة هذا المقال