البحث العلمي…
جاء في تصريح لمنصف السلاوي: “في صغري كنت اتخيل ان المسافة بين بلدنا والدول المتقدمة كانت اقل مما هي عليه اليوم”… هذه الملاحظة الدقيقة كانت تتوفر عند المئات وربما الالاف من الشباب المتمدرس الذي يتملكه هاجس تقدم بلاده ورقي شعبه….
هذا الهاجس عبر عنه هؤلاء لما التحقوا بالجامعة حيت انخرطوا في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وتعاطف العديد منهم مع اطروحات منظمة الى الامام المتعلقة بحل التناقض الذي يجعل المسافة تتوسع بين بلادنا والدول المتقدمة … ومن بين هؤلاء منصف السلاوي…. هؤلاء كثيرون ببلادنا اليوم وبخارجها ولم يعرفهم الناس لان الاضواء لم تسلط عليهم كما حصل مع منصف السلاوي غير انهم يحملون دائما تلك المبادئ التي تشبعوا بها في شبابهم كما عبر عن ذلك منصف السلاوي….
لترجمة مقولة منصف السلاوي سناخد بلدا صغيرا وهو كوريا الجنوبية ونقارنها مع بلادنا في مجال البحث العلمي…
بداية… كوريا الجنوبية قامت باصلاحين زراعيين متتاليين… وهنا يجب التاكيد بان الاصلاح الزراعي لا تقوم به بالضرورة دولة اشتراكية او حكومة “وطنية” لكنه ضروري واساسي في خلق قدرة شرائية تستوعب القسط الاوفر من المواد المصنعة وطنيا في بداية مسلسل التصنيع كي يتمكن قطاع الصناعة من الصمود ومن توفير المقومات التي يجعله يكتسب المؤهلات التي تضمن اكتساب مقاومة المنافسة على الصعيد الدولي الذي يطبعه الاقتصاد الراسمالي….
اضافة الى الاصلاح الزراعي الذي باشرته كوريا في ظل نظام عسكري موال لامريكا ….فهي استفادت من دعم الولايات المتحدة التي كانت تعتبرها حاجزا امام نفوذ النظام الاشتراكي الصيني الى عموم الشبه الجزيرة الكورية… لوضع برنامج للبحث العلمي يخدم مخططها في بناء اقتصاد قوي…
– ففي سنة 1970 اسست المعهد الكوري للعلوم والتكنولوجيا وكان تعداد سكانها آنذاك 32 مليون نسمة وناتج الداخلي 10 مليار دولار
– بعد عشر سنوات بمعنى في سنة 1980 عدد سكان المغرب 20 مليون(اقل من ساكنة كوريا في 1970 ب 12 مليون نسمة) ويتوفر على ناتج قومي يساوي 21 مليار دولار(يفوق ماثله بكوريا في 1970 ب 11 مليار دولار ف ) التحق بالمغرب المئات من الشباب معدل سنهم 27 سنة حصلوا على الدكتوراه في مختلف التخصصات من ارقى المختبرات بفرنسا وبلجيكا وكندا وامريكا كلهم حماس ومتشبعين بروح الاتحاد الوطني مثل منصف السلاوي وكان بامكان البلاد ان توظف حماسهم لخلق المعجزات في مجال البحث لعلمي والتكنولوجي… للالمام بالموضوع نعود الى كوريا مجددا
– ففي سنة 1972 وبفضل معهدها في العلوم والتكنولوجيا صنعت كوريا اول تلفاز محلي بالالوان… وهنا ياتي دور القدرة الشرائية التي مهد لها الاصلاح الزراعي في ترويج المنتوج الوطني كي يضمن لدورة الانتاج الاستمرارية ومهلة اكتساب المناعة والنجاعة بالمقارنة مع المنتوج المماثل على المستوى الدولي
– سنة 1988 وضع المعهد المذكور مادة كشف المنشطات عند الرياضيين واستعملت في الالعاب الاولمبية لنفس السنة بالعاصمة سيول.
– سنة 2009 اصبح المعهد الكوري للعلوم والتكنولوجيا اول معهد عالمي يمتلك براءة اختراع سبّين-ترانزسطور الذي تدخل في صناعة اشبه الموصلات الجديدة ووصل الناتج الداخلي لكوريا في نفس السنة 902 مليار دولار بمعنى 93 مرة ناتجها الداخلي في سنة 1970 حين بناء المعهد الكوري للعلوم والتكنولوجيا.
– بالنسبة للمغرب كل هذه الطاقات التي اصبحت تحصى بالالاف في نهاية التسعينات تم تهميشها واصبح البحث العلمي وتاسيس المختبرات واسلاك الدكتوراه وتنظيم الملتقيات العلمية والسفريات للمختبرات الاجنبية مسالة طوعية مائة بالمائة لا تهتم بها الدولة بل عكس ذلك فجل الذين يعينون لتسيير المؤسسات الجامعية هم ممن فقدوا هوس الاهتمام بالبحث العلمي… بفضل هذه المبادرات الطوعية رتب المغرب سنة 1994 في المربتة الثالثة فيما يخص الابحاث العلمية المنشورة في المجلات الدولية المتخصصة بعد جنوب افريقيا ومصر الذين تعداد سكانهما اكثر …. لما بدأ الكلام في بدية 2000 عن الاهتمام بالبحث العلمي من طرف الدوائر الرسمية تعب اولئك الاوائل واصبح معدل السن 55 سنة عند ؤلئك الاساتذة الباحثين الذين كانوا شبابا اكفاء متحمسين ومعدل اعمارهم 27 سنة في الثمانينيات… هكذا فقدت بلادنا موعدها مع التاريخ في منعرج الثمانينات واصبحت المسافة بينها وبين الدول المتقدمة تزداد بكيفية مهولة…. وصدق منصف السلاوي في قوله…. حيت الناتج الداخلي للمغرب لسنة 1980 الذي كان ضعف الناتج الداخلي لكوريا سنة 1970 اصبح في سنة 2019 اقل بثمان مرات من الناتج الداخلي لكوريا في 2009 السنة التي اصبح فيها معهدها في العلوم والتكنولوجيا وبعد مرور 40 سنة فقط على تاسيسه يمتك براءة الاختراع في احدى المدخلات الحساسة في التكنولوجيا الحديثة….
منقول.
مناقشة هذا المقال