بمناسبة اليوم الوطني للمهاجرين والذين كانوا و أسلافهم من المغتربين والمؤسسين لحركة النضال السياسي والنقابي بالمنفى ، وأغلبهم شارك في التدريبات على الكفاح المسلح ، وبعضهم حوكموا بعقود من السجن وآخرون حوكموا بالإعدام دون أن ينفذ فيهم ، ورفاقهم أعدموا دون محاكمة أو بعد محاكمات صورية ، بهذه المناسبة أعيد نشر الحلقة 40 من يوميات حبس إختياري والتي حررتها أثناء امتثالنا لمقتضيات الحجر الصحي :
يوميات حبس اختياري
الحلقة 40
وطنيون مغاربة تمسكوا بغربتهم ، خارج وطنهم دون أن ينتابهم شعور بالاغتراب ، لذلك صمدوا حتى لا يمزقوا ، قسرا ، جواز سفرهم المعمد بدماء القربان ، وكالة عن هويتهم اامهددة بالمصادرة ، هي حالة عاش من خلال ظلالها الرمادية وأوقاعها القاسية ، كل من أخي بوبكر بن أحمد المنوزي ورشيد علي المنوزي وابن عم والدي إبراهيم بن عبدالله المنوزي وكذا الفقيد خالي بلعيد كنعر في منفاهم ” الإضطراري ” . لقد تعمدت وضع وصف المنفى بين ظفرين ، لأن الوضعية التي كانت تطوق حياتهم وضمنها حريتهم ، تترنح بقساوة شديدة وتتدحرج من حالة كفاحية الى حالة نفسية عالية الضغط ، لجوؤهم كان لأسباب أمنية قبل أن يكون سياسيا ، لذلك حولوا منفاهم من اضطراري إلى إختياري ، ليس بمعنى تمثلهم للإختيار الثوري كوثيقة مذهبية صاغها المهدي بنبركة كمشروع تقرير مذهبي لفائدة المؤتمر الوطني الثاني ، في حين تمت التقرير المذهبي الراحل عبد الله إبراهيم ، ولا بمعنى الانتماء للتنظيم الاختياري بزعامة محمد الفقيه البصري ، بل إنهم قبلوا بالأمر الواقع عن طواعية وحرية الإختيار ، مع التأكيد أن السببين معا يعدان من باب تحصيل الحاصل ، فهم قرروا تحويل المنفى إلى جبهة للمقاومة والتصدي للقمع في الداخل ولفك الحصار عن رفاقهم الإتحاديين في الداخل ومعتقلاته السرية والعلنية ، وبذلك فنضالهم الديموقراطي السلمي يعد بمثابة تعويض عن ما يشبه حيازة جواز السفر ، فهم ، إلى جانب رفاقهم الذين غادروا الوطن إما نجاة من مطاردات البوليس المغربي ، وإما طلبا للعمل أو اللجوء أو التدريب المسلح في بلدان المهجر والجوار ، كان همهم استكمال مشروع الفكرة الاتحادية ، ليس فقط انسجاما وتفاعلا مع مأثورة “” ما لا يدرك كله لا يترك جله “” بل وفق ما يقتضيه شعرية “”ومن يبلغ الملاذ يستغني عن الجسور “” ، لذلك فهم لم يمزقوا قرار العودة ، لأن المهجر ، وإن كان قسريا أو اضطراريا والوطن لا مفر . كان لهم ، وكافة المنفبين ، رأي موحد حول شذوذ ظرفية عملية عقد المؤتمر الاستثنائي ، وكان الخلاف قويا مع الشهيد عمر ، ولاحقا تجدد الخلاف بين بعضهم وشقيقه الذي تمسك بجناح الباز الحر دون الآخر ، طبعا ، لا عمر ولا غيره ، مجرد مخاطبين ، رغما عن المسؤولية المعنوية ، والتي تمتد إلى ما هو سياسي ، غير أن المسؤولية لم يعد لها محل ولا أثر ، فالاختيار الثوري رحل ومعه من له كل قرابة ونسب ، أدى الجميع الكلفة باهضة ، فقد أعدم ابراهيم المنوزي واختطف الحسين من تونس وظل مصيره مجهولا ، ونفذ أفراد العائلة عقوبات قاسية جملة أو بالتقسيط ، وضاعت البوصلة بين دروب الانشقاقات ، وكلما انعقدت محطة حزبية وإلا و أقصي عضو ما أو استؤصل طرف مهم من الجسد ، فتبعثرت عبارة الحركة الاتحادية كما حروف هوية ” و ز ا ن” ، الشهيد الكرسيفي ، بلا قبر ولا شهادة حياة . هذا نموذج فقط وعينة لإحدى العائلات الاستثنائية ، كما يحلو للصحافي لحسن العسيبي ابن المناضل عبد الله العسيبي رفيق شيخ العرب في السلاح وعمر بنجلون في الكفاح . ذات مرة سألتني صديقة من تونس ، كرئيس للمنتدى المغربي من اجل الحقيقة والإنصاف ، عن العدد التقريبي لضحايا سنوات الرصاص ،قلت لها بأن الإجابة تصعب ، لأن كل المغاربة ضحايا النظام السياسي ، بمن فيهم الجلادين الحقيقيين والمفترضين ، من موظفين ومستشارين ، ناهيك عن المناطق والشجر والحجر ، كما ان للأحزاب والأشخاص حقهم من المسؤولية ، فباستثناء ” عناية ” عبد الرحمان اليوسفي بطريقته الخاصة بملف المهدي بنبركة ، منذ أن كان محاميا في القضية ، وباستثناء تقصيه عن مصير كل المختطف الحسين المنوزي ، وبلقاسم وزان المختطف من السجن المركزي بالقنيطرة ، مباشرة بعد الحكم عليه بالبراءة ، والذي باشره مع الراحل الحسن ، وبعد شهور قدم له جواب سلبي بالوفاة . وكذلك باستثناء السؤال الذي قدمه ادريس لشكر ، يوم كان برلمانيا ، عن مصير الحسين ؛ فإن ما يصدق على المناضلين المختطفين المجهولي المصير هو عبارة بالأمازيغية ” آستوكان آوين إيماتسن ” أي “لهم فقط أن يحملوها (الواقعة أو المصيبة ) إلى والدتهم “. مما يجعلنا كضحايا وكذوي حقوق الضحايا ، وكمسؤول عن تدبير مقتضيات ومسار معالجة الانتهاكات الجسيمة ، نشعر ، بين الفينة والأخرى ، بأنه تغزونا أفكار سوداوية وتطوق تفاؤلنا ، ونخال أن تردد الدولة ولد معها ، رغم القوة و العصبية التي رافقت الانقلابات التأسيسية لكل مرحلة ، هي تهيؤات موازية لدور الاحزاب “الوطنية” التي انشطر همها إلى إرتباك وغرور التموقع في صيغة تدبير مفوض لمظاهر حب ودعم الاستبداد ، ولأن سؤال حامل المشعل لا يطرح بنفس قدر الحاجة الى صمود سياسي يعضد الطموح بواجب الاستمرارية ، وتخليد المطالب الأساسية من تحرر ودمقراطية وعدالة اجتماعية ، ليظل الوضع منشغلا بتوجس لا نهائي ، وبحكم فوضى التناقضات وسوء ترتيبها ، يتدفق سؤال القيادة والمرافقة ، وفوق كل جبرية سياسية لا يسعني الا البوح ، كما القدر ، بأنني لا أستطيع التخلص من ضغط الإرهاب الفكري ، وأنا الضحية ، وأحيانا كضحية الضحايا ، فلا خصومة واضحة ولا مقاربة صريحة في تميزها السياسي أو اختلافها الفكري أوالمذهبي . وكلما دخلت المنافسة حول مسؤولية إلا وتحول الرحاب حلبة ، والمجال وغى . ومهما تحرر من بعض المنابر من حيث المسؤولية فلم ولن يتخلص من تداعيات الذكرى الموشومة بهزائم في المشترك لماض لا يريد ان يمضي . لذلك يفضل المرء تسريع وتيرة العمر الإفتراضي بتمني تقاعد مريح ، رغم أن الزمن الاجتماعي يفرض عليك الالتزام باستنفاذ الرسالة تحت طائلة اتهامك بالانهزامية والانتحار قبل الأوان تحت أعواد مشنقة زمن الجحود والردة .
مناقشة هذا المقال