Atigmedia
المصداقية والدقة في الخبر

قراءة لكلمة ناصر الزفزافي التي وجهها لساكنة الحسيمة في لحظة إنسانية فريدة اثناء تشييع جنازة والده .

وداع الألم والأمل ،

نحن اليوم أمام لحظة إنسانية مؤثرة…

لحظة تختلط فيها المشاعر الإنسانية والرسائل السياسية …

رحل أحمد الزفزافي، والد ناصر، تاركاً خلفه قصة ألم، لكنها أيضاً رسالة أمل.رحل الأب… لكن الكلمة بقيت في فم الابن، وهو يخرج من بين جدران السجن للحظات ليودّع والده الوداع الأخير .

كلمة قصيرة… مرتجلة… لكنها حملت أكثر مما تستطيع خطب السياسيين أن تحمله.

أبدأ بتقديم العزاء لناصر، ولإخوته، ولأمه الصامدة في وفاة الراحل أحمد الزفزافي، تغمّده الله برحمته الواسعة.

تحية خاصة لناصر الذي أبان عن صلابة، وصبر، وجلَد نادر أمام هذه المحنة.

ولا بد من التنويه أيضاً بالمندوبية العامة السجون وإعادة الإدماج وللسلطات العمومية، التي تعاملت بإنسانية ورأفة وذكاء ايضا لامتصاص الألم والغضب وسط الرأي العام ، فسمحت لناصر بمغادرة السجن، حضور جنازة والده، وإلقاء كلمة بالمناسبة.

كلمة حكيمة… حملت رسائل سياسية عميقة… قد تكون بداية إغلاق هذا الملف الحقوقي المفتوح، هو وملف النقيب زيان، وبعض المدونين والمدونات ومناهضي التطبيع..

ماذا قال ناصر، الرجل الذي خرج للحظات من قبر الحياة… من السجن… مفجوعاً في أبيه؟

أولاً: ناصر لم يتحدث باسم الريف فقط. تحدث باسم الوطن كله. أزال تلك التهمة الثقيلة التي رافقت حراك الريف: تهمة الانفصال، أو النزعة الجهوية الضيقة. خاطب المغاربة كلهم، بالعربية الدارجة، مؤكداً أنه مغربي قبل أن يكون ريفياً. وأن انتماءه للريف هو لغوي وثقافي، لا سياسي واعاد التأكيد على انتمائه إلى هذه الأرض رغم الاختلاف في الرأي وهذا عين العقل .

ثانياً : أكد ناصر الزفزافي بوضوح أن الريف جزء لا يتجزأ من المغرب. وأن كل محاولات الخارج أو الجزائر لزرع بذور الانفصال في الريف، لا أساس لها. الحراك كان اجتماعياً… وبقي اجتماعياً ولن يسمح ناصر ورفاقه بالركوب على مظلمتهم لحساب احد …

ثالثاً: ذهب قائد حراك الريف أبعد من ذلك… حين عبر عن استعداده للتضحية بدمه من أجل استرجاع الصحراء. انه موقف وطني، صادق، وجريء، يعكس عمق الانتماء فالذي يعرف ناصر يعلم انه ليس شخصا يناور وأنه يتحدث على سجيته .

بهذا، رد ناصر التحية للدولة بمثلها، بمسؤولية ووعي. وهو يخاطب الآلاف من الذين جاؤوا لوداع والده في شبه استفتاء شعبي عفو على ضرورة إقفال هذا الملف .

الدولة أيضاً بعثت رسالة إنسانية وسياسية واضحة. حين سمحت لمعتقل سياسي محكوم بعشرين سنة سجناً، بحضور جنازة والده، وإلقاء كلمة. حتى وإن كان مجلس حقوق الإنسان في جنيف قد صنّف اعتقال ناصر ورفاقه اعتقالاً تعسفياً لكن الذي يعرف خبايا السلطة وحساباتها يعرف انها تصرفت بلين وبذكاء وربما ببعد نظر من اجل طي الملف مستقبلا .

هذا ملف يجب أن يُغلق بعفو ملكي كريم… وبأسرع وقت.

لماذا؟

أولاً: لأن تسع سنوات في السجون ليست بالأمر الهيّن. إنها سنوات من الحرمان من الحرية ، من الأمراض الجسدية والنفسية ، ومن التغذية الرديئة . سنوات تمزّق الإنسان من الداخل. قلت يوماً لقاضٍ في الدار البيضاء بعد خروجي من السجن: لو قضيت أسبوعاً واحداً في السجن يا سعادة القاضي، لفكرت ألف مرة قبل أن تحكم على إنسان بالسنوات الطوال من السجن.. اطرق ولم يعقب .

ثانياً: الدولة كانت متخوفة من أن يتحول ناصر ورفاقه إلى رموز غير منضبطة في الريف. اليوم، اتضح أن هذا التخوف لم يكن في محله. ناصر تغيّر. ليس فقط بسبب السجن، بل أيضاً بسبب العمر، والثقافة، والقراءة، ومتابعة الأحداث فالحياة مثل النهر لا يمكن للمرء ان يستحم فيها مرتين .

ثالثاً : لأن البلاد تحتاج إلى هواء جديد. إلى نفس حقوقي وسياسي مختلف. غداً سيفتتح المغرب ملعب مولاي عبد الله… لكنه مطالب قبل ذلك بفتح ملعب حقوق الإنسان وحرية التعبير. خصوصاً في أجواء اجتماعية متوترة، وسياسية جافة، وبركة راكدة لم تعد تحركها سوى تسريبات المدعو جبروت ولا جبروت إلا الله ….

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.