Atigmedia
المصداقية والدقة في الخبر

غضب أمريكي يعصف بمشاركة ترامب في “قمة العشرين” بجنوب إفريقيا

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه مقاطعة قمة قادة مجموعة العشرين المقررة في نوفمبر المقبل بجوهانسبرغ، مفضلا أن يمثل بلاده نائبه جيه دي فانس، في خطوة تعكس تصاعد التوتر بين واشنطن وبريتوريا على خلفية سياسات الأخيرة الداخلية والخارجية.

وقال ترامب، في تصريح أدلى به على متن الطائرة الرئاسية، إنه يفكر في “إرسال شخص آخر بسبب المشاكل الكبيرة مع جنوب إفريقيا وسياساتها السيئة للغاية”، في إشارة إلى الخلافات العميقة حول ملفات الإصلاح الزراعي وحقوق الأقليات، إضافة إلى مواقف بريتوريا من قضايا دولية حساسة.

وتأتي هذه الخطوة بعد قرارات سابقة اتخذها ترامب، من بينها تقليص المساعدات الأمريكية لجنوب إفريقيا، وانتقاد مباشر للرئيس سيريل رامافوزا بشأن ما اعتبره “تمييزا ضد البيض ومصادرة للأراضي”، وهي مواقف زادت من حدة الخلافات وأضعفت آفاق التعاون بين البلدين.

ويرى مراقبون أن غياب الرئيس الأمريكي عن القمة، التي تستضيفها القارة الإفريقية لأول مرة، يضعف من رمزية هذا الحدث ويثير تساؤلات حول قدرة جنوب إفريقيا على أداء أدوار قيادية على المستويين القاري والدولي، في ظل تحديات سياسية واقتصادية متراكمة.

كما يعكس الموقف الأمريكي أهمية التوجه نحو شركاء أكثر التزاما بالاستقرار والشفافية، وهو ما يضع المغرب في موقع متقدم كنموذج إقليمي يحظى بدعم دولي متزايد، خصوصا مع تبنيه مبادرة الحكم الذاتي كخيار واقعي لتسوية النزاعات، وتأكيده على نهج دبلوماسي متوازن يخدم الأمن والتنمية في إفريقيا.

غضب أمريكي

في هذا الصدد يرى محمد فاضل بقادة، رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية لحركة “صحراويون من أجل السلام”، أن النسخة العشرين من قمة مجموعة العشرين بجوهانسبرغ، المقرر عقدها يومي 22 و23 نونبر المقبل، تأتي في ظرفية جيوسياسية دقيقة يطبعها الاضطراب الدولي وتفاقم التحديات الأمنية والاقتصادية، من حرب روسيا وأوكرانيا، إلى النزاعات في الساحل وإقليم كشمير، مرورا بالملف النووي الإيراني والحرب على غزة، فضلا عن خارطة طريق ترامب الجديدة والتطورات المرتبطة بقضية الصحراء.

وسجل المتحدث، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاطعة القمة وإيفاد نائبه جي دي فانس لا يمكن قراءته فقط في سياق تبريره “اضطهاد البيض في جنوب إفريقيا”، بل هو تعبير عن خلفيات أعمق مرتبطة بعقيدته السياسية القائمة على شعار “لنجعل أمريكا عظيمة مجددا”، مضيفا أن “هذه العقيدة ترتكز على ثلاث ركائز أساسية: الحفاظ على الهيمنة الأمريكية على مفاصل النظام الدولي، وإجبار القوى الصاعدة على تبني مواقف تخدم الأجندة الأمريكية، ثم التأكيد على أن الحلول الكبرى للأزمات لا يمكن أن تأتي إلا من واشنطن”.

وأكد بقادة أن ترامب سبق أن اتخذ خطوات مشابهة أثارت استياء العديد من الشركاء الدوليين، مثل فرض رسوم جمركية أثقلت اقتصادات بلدان عدة، وهو ما دفع قوى وازنة إلى البحث عن تحالفات بديلة، في طليعتها الهند التي فتحت قنوات تعاون متزايدة مع الصين رغم علاقاتها الوثيقة سابقا مع إدارة ترامب، لافتا إلى أن “مثل هذه التحولات الدولية تقلص من نفوذ الولايات المتحدة في مناطق إستراتيجية كآسيا، وتفتح المجال أمام تحالفات جديدة تضعف من قدرة واشنطن على التحكم في إدارة الأزمات”.

وأوضح رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية لحركة “صحراويون من أجل السلام” أن غياب ترامب عن قمة العشرين بجوهانسبرغ ليس مجرد مقاطعة بروتوكولية، بل هو إشارة سياسية واضحة إلى عدم رضا واشنطن عن الدور الذي تسعى جنوب إفريقيا إلى تكريسه قاريا، خاصة في ملفات تمس مصالح أمريكا في الشرق الأوسط وإفريقيا، معتبرا أن “نقل ترامب فكرة تنظيم النسخة المقبلة من القمة في منتجعه قرب ميامي يندرج في إطار تكريس الهيمنة الرمزية والسياسية للولايات المتحدة”.

وعن تداعيات هذا القرار على الساحة الإفريقية أكد المحلل ذاته أن “مقاطعة ترامب تمثل إضعافا لصورة جنوب إفريقيا كقوة إقليمية صاعدة، بل وإهانة دبلوماسية لها في ظرف حساس”، مشيرا إلى أن “موقف ترامب من نزاع الصحراء ينسجم مع اعترافه السابق بمغربية الصحراء ودعمه مشروع الحكم الذاتي باعتباره مقترحا واقعيا وذا مصداقية، وهو ما أكدته أيضا إدارة بايدن عبر تصريحات مبعوثها جوشوا هاريس”.

وأنهى محمد فاضل بقادة حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن “تعنت بريتوريا بمناهضة المقاربة الدولية السلمية والواقعية لحل النزاع لا يمثل تحديا للمغرب فحسب، بل هو مواجهة مفتوحة مع إرادة المجتمع الدولي في إيجاد حل دائم ومتوافق عليه تحت السيادة المغربية”.

الصحراء أولا

من جانبه قال الشيخ بوسعيد، الباحث في القانون العام المهتم بنزاع الصحراء المغربية، إن خطوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التهديد بمقاطعة قمة العشرين في جوهانسبرغ قد تؤجج التوتر الدبلوماسي بين واشنطن وبريتوريا، خاصة أن تصريحاته حول ما سماه “الاضطهاد الممنهج ضد البيض” تلامس ملفا حساسا يتعلق بسياسة إصلاح الأراضي الزراعية في جنوب إفريقيا.

وأضاف بوسعيد، ضمن إفادة لهسبريس، أن حكومة جنوب إفريقيا سارعت إلى نفي اتهامات ترامب، مؤكدة أن إصلاح الأراضي لا يستهدف أي عرق بعينه، بل يسعى إلى تصحيح إرث نظام الفصل العنصري، مذكّرة بأن “أكثر من 70 في المائة من الأراضي الزراعية التجارية مازالت بيد الأقلية البيضاء رغم مرور ثلاثة عقود على نهاية الأبارتايد”.

وأبرز المتحدث ذاته أن هذا الجدل لا ينفصل عن السياق الدولي الأوسع، إذ سبق لإدارة ترامب خلال ولايته الأولى أن وقعت وثيقة تاريخية تعترف صراحة بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع، معتبرا أن “هذه الخطوة أسست لمرحلة جديدة في العلاقات المغربية الأمريكية”.

وتابع الباحث نفسه: “إن العلاقات بين الرباط وواشنطن مرشحة لمزيد من التوطيد في الولاية الحالية، سواء على مستوى التعاون السياسي والاقتصادي أو على مستوى الشراكة الأمنية والعسكرية؛ إذ يعتبر المغرب حليفا إستراتيجيا راسخا للولايات المتحدة في المنطقة”.

وبخصوص مستقبل قضية الصحراء المغربية أكد الخبير في القانون العام أن الدعم الأمريكي للمغرب سيظل ثابتا ومتواصلا، مشددا على أن “إدارة ترامب الحالية ستزيد من تأييدها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، وهو ما سيفتح المجال أمام طفرة نوعية ودينامية جديدة في العلاقات الثنائية على أكثر من صعيد”.

وخلص الشيخ بوسعيد إلى أن الموقف الأمريكي، في صيغته الراهنة، يمثل رافعة قوية للدبلوماسية المغربية، ويمنح المملكة سندا إستراتيجيا لمواصلة تعزيز موقعها كفاعل محوري في استقرار المنطقة وتنميتها.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.