الذي فكر في وضع هذا التمثال بالمدخل الشمالي لمدينة سيدي إفني، يستحق أن يدخل التاريخ. فكرة الفرس، وجيهة ودقيقة وناجحة، لما للفرس من دلالات ورموز حيوية قوية ذات مؤشرات راسخة في البنية التاريخية والرمزية الاجتماعية لدى قبائل آيت باعمران. الفرس صنع التاريخ إن لم نقل هو الأساس في تغيير التاريخ بهذه المناطق المتاخمة للصحراء. وليس من العجب أن تضع مدينة أگلميم صور الجمل في مدخلها الشمالي، مثلما فعلت مدينة طانطان كذلك بوضع تمثال الجمل بمدخلها. وكأن طانطان أي آيت الحسن، تتصارع مع “تاكنا” في أكلميم حول الأحقية في تملك المجال الصحراوي خاصة رمزية “البوابة”. فأين تبدأ الصحراء؟ وأين تنتهي؟ إن الصراع حول رمزية الإبل باعتباره أسس الهوية في الصحراء يوحي لنا بمسارات الصراع حول الزعامة السياسية والاجتماعية في محيط ما يسمى حاليا بفضاء وادنون، وقديما يسمى بوطن لمطة.
إن صراع آيت الحسن مع قبائل تاكنا بالانفراد والاستحواذ على تملك صورة الإبل وثقافته، هو صراع حول المجال وحول مفاتيح بوابة الصحراء أي حول المعبر لما له من مكاسب اقتصادية وتجارية مهمة. من سيطر على وادنون كأنه تملك الصحراء كلها.
أما سيدي إفني، بالرغم من موقعها الساحلي وفضائها البحري، فإنها اختارت صورة الفرس، لتعطي مضمونا مغايرا لعتبات المرور إلى الصحراء. فهي ليست صورة وشعار للمدينة، وإنما هي وجه من وجوه معركة الرموز الخفية التي تدور اطوارها حاليا فيما يسمى بوادنون حول الفرس والجمل.
لن افيض في النقاش الانثروبولوجي لرمزية الفرس في ذهنية آيت باعمران باعتبارها وريثة شرعية لإمارة لمطة التي كانت عاصمتها في نول التي سكت بها آخر عملة نقدية للمرابطين آخر عهدهم. لأن الكلام سيجرنا بعيدا، ونجمل القول أن المؤرخ هيرودوت تحدث عن وجود العربة في الصحراء تجرها أربعة خيول، وهي الحقيقة التي أكدتها النقوش الصخرية في تاسيلي ن أجير.
بخلاصة، إفني هي البوابة الوحيدة إلى الصحراء، لأنها هي المدخل الرئيسي إليها، ومهما حاولت إدارة الاستعمار الفرنسي تحوير الطريق إلا أن شموخ هذا الفرس الذي يظهر في الصورة بمدخل المدينة واقفا شامخا ينظر إلى السماء، عاري الصدر صامد في لحظة التحدي والمقاومة، يلخص بما ليس فيه أي شك واقع المدينة ومستقبل آيت باعمران.
حتى وإن تلاشت الرياسة والريادة يبقى الشموخ واقع تاريخي متجذر.
مناقشة هذا المقال