بقلم الاستاذ حسن ادحجي
بشائر عاشوراء تظهر محتشمة في الايام الاولى قبل ان تكشف عن وجهها في المحلات التجارية و الاسواق الشعبية و عند الباعة الذين يفترشون الارض و يعرضون سلع عاشوراء في الهواء الطلق،،في ظرف ايام تمتلئ هذه الفضاءات بالطبول و الدفوف و “الطعارج” و المفرقعات و الاقنعة..اجواء احتفالية نستحضر معها طقسا فرجويا محليا مرتبطا بعاشوراء، فرجة امعشار،،نشرع في الاعداد لهذه الفرجة الشعبية خلال حقبة السبعينات بتهييء ما يلزم من اقنعة “اودماون” و البسة تنكرية و ادوات موسيقية من طبل و دفوف و ناي،،نجد ملاذنا كما في كل مرة في مطرح “اكضي ن دادا مغار” ، في هذه الحفرة الواسعة و العميقة نعثر على المواد الاولية من الاشياء المتلاشية لصنع كل الاكسسوارات اللازمة لهذا الحفل التنكري السنوي ،،كنا نبحث عن علب الكارتون الكبيرة لنصنع منها الاقنعة، اقنعة بحجم كبير ،كنا نتفنن في ابداعها،و نتنافس في زخرفتها و إعطائها ابعادا و اشكالا خرافية بعيدة عن الواقع غالبا ،، نحرص على ان تكون بعلو مرتفع لتمنح اجسادنا الهزيلة و الصغيرة احجاما اكبر و اطول ، اذكر اننا كنا نزينها بريش الدجاج و الديكة،،كما كنا نقوم بتثبيت انوف طويلة عليها،نفس الشيء بالنسبة للآذان،،بعض الاقنعة نصنعها من جلد الخرفان ” لهيدورة” ، اذكر ان سور باب اكلو المقابل لاكضي ن دادا مغار يتحول لأيام الى ورشة مفتوحة على السماء لصنع الاقنعة و الملابس التنكرية،، امكانياتنا المادية الهزيلة لاتسمح لنا باقتناء الاقنعة البلاستيكية،، الحاجة ام الإختراع ،،هذا شعارنا دائما ،،خلال هذه الفترة تتفتق مواهب البعض لتبدع اقنعة في غاية السحر و الجمال، بعضها مغرق في الخيال،،بعد إتمام الاقنعة كنا نجد في البحث عن اسمال او اثواب بالية او أكياس الخيش إمعانا في التنكر و لان الفرجة لا تكتمل إلا بالموسيقى المصاحبة فقد كان علينا توفير آلات ايقاعية،، طبل واحد على الاقل و عدة دفوف و “طعارج ” و ناي او اكثر.. لاعداد الطبل “كانكا” كنا نذهب الى مطرح المجزرة البلدية بمدخل تاركا اوسنكار ، في مكان يسمى “أكضي ايسوي” ،في هذا المكان نجد ضالتنا ،يوفر لنا هذا المطرح المليء بالدماء و احشاء الاضاحي و جلودها النتنة حاجياتنا و اللوازم الضرورية لصنع الطبل “كانكا ” ،،بعد العثور على الجلد المطلوب بالاستعانة بخبرة “بوكانكا” ،يتولى هذا الاخير مهمة صنعه بعد ايام من المعاناة ، متحملا قذارة هذه المهمة الصعبةو العفنة بكثير من الصبر و التضحية و نكران الذات ،،اذكر ان رائحة الجلد الطري و الدامي و الذي تم سلخه للتو، كريهة لا تطاق،، كان يستعمل في صنع الطبل كذلك وعاءا ” برميلا” معدنيا ذا حجم كبير،،وعاء من النوع التي تعبأ فيه الصباغة ،،بعد ايام يكون الطبل جاهزا لكن تظل رائحته العطنة تزكم الانوف رغم كل المحاولات لتبديدها،،اذكر ان صاحب الطبل و في اطار التسخينات الاولية التي تسبق فرجة امعشار بايام ، يظل يعلق الطبل في عنقه و النقر عليه في واضحة النهار و هو يجوب دروب الراميقي يتبعه اطفال صغار و اسراب من الذباب… (يتبع)
مناقشة هذا المقال