المغرب الذي يمشي بسرعتين: سؤال الشرعية الشعبية بين الاستغلال السياسي وتطلعات التنمية(1)

من بين أبرز الإشكالات التي تُثقل مسار التجربة الديمقراطية ببلادنا، يبرز سؤال الشرعية الشعبية: هل هي تفويض مطلق يمنح للمنتخبين حرية التصرف وفق منطق الولاءات والحسابات الضيقة؟ أم هي تكليف مشروط بخدمة الصالح العام وتحقيق تنمية عادلة ومستدامة؟
السلطات العليا للبلاد المالكة الوارثة للسلطة الشعبية الشاملة عبر البيعة لا تكف عن توجيه رسائل واضحة وصريحة إلى المنتخبين بضرورة القطع مع ممارسات الريع السياسي، والتوقف عن توزيع المنافع والفتات على المقربين، داعيةً إلى ترسيخ معايير الاستحقاق والموضوعية في تنزيل المشاريع التنموية. وهو توجّه يعكس إرادة حقيقية في بناء دولة حديثة تُدار فيها التنمية بالكفاءة لا بالولاء.
في المقابل، تلوّح الأحزاب السياسية بما تعتبره شرعية صناديق الاقتراع، معتبرة أن هذا التفويض الانتخابي يخول لها هامشًا واسعًا في التدبير، حتى ولو تعارض أحيانًا مع روح المصلحة العامة. وهنا تكمن المفارقة: بين خطاب إصلاحي رسمي يروم القطع مع الفساد السياسي، وممارسة حزبية تعيد إنتاج نفس الأساليب باسم الشرعية.
وهكذا، نجد أنفسنا أمام واقع معقد يمكن تلخيصه في عبارة: المغرب يسير بسرعتين؛ سرعة رسمية تحمل مشروعًا إصلاحيًا يطمح إلى إرساء تنمية قائمة على الكفاءة والشفافية، وسرعة أخرى انتخابية-حزبية تقيّد التنمية بمصالح ضيقة وتبقيها رهينة التجاذبات.
النتيجة أن التنمية في مجالات عدة تظل معلقة، ينتظرها المواطن بصبر لكنه يفقد تدريجيًا الثقة في جدوى العملية الانتخابية ومن السياسة.
فالشرعية الشعبية الحقيقية لا تختزل في لحظة الاقتراع، بل تُبنى وتُجدَّد يوميًا بالفعل المسؤول والإنجاز الملموس. وما عدا ذلك، فلن يكون سوى شعارات مكررة… في انتظار الفرج من الله.