الدكتور الحسين عمري (1957-2025): رجل الإدارة بمرجعية أنثروبولوجية
بقلم: ذ. أحمد بومزكو
فقدت مدينة تيزنيت، ومعها الأسرة الإدارية والجمعوية بجهة سوس ماسة، يوم السبت 29 نونبر 2025، واحداً من أبرز رجالات التدبير المحلي والبحث العلمي الرصين، الدكتور الحسين عمري، المدير السابق لمصالح جماعة تيزنيت. رحل الراحل بعد مسار فريد جمع فيه بين صرامة رجل الإدارة ورهافة الباحث الأنثروبولوجي، فكان مثالاً في الجمع بين العقلانية التدبيرية والعمق العلمي.
وُلد الفقيد في 5 شتنبر 1957 بمدينة تيزنيت داخل أسرة علمية تنتمي لفخذة “إدزكري”، المشهورة بمكانتها العلمية والاجتماعية. بدأت معالم شخصيته في التشكل بكتاب “تيمزكيدا” بحي إدضلحة، قبل أن يلج مسلك التعليم الأصيل ويتابع دراسته بمدينة تارودانت بالمعهد الإسلامي، حيث نهل من معين التراث واللغة، مكتسباً فصاحة في اللسان ورزانة في الفكر.
في سنة 1979، انتقل إلى الرباط لمتابعة دراسته العليا بجامعة محمد الخامس، شعبة الفلسفة – تخصص علم الاجتماع، وهي محطة ستشكل منعطفاً حاسماً في مساره المعرفي؛ إذ انتقل من فضاء المعرفة التقليدية إلى امتلاك أدوات التحليل والتفكيك السوسيولوجي. تُوّج هذا المسار بحصوله على الدكتوراه بفرنسا سنة 1992 تحت إشراف الأنثروبولوجي “Robert Cresswell”، من خلال أطروحته:
Pouvoir, religion et société : étude anthropologique du phénomène de la Zaouia au Maroc, le cas de Tazroualt
وهي أطروحة تُعد مرجعاً في فهم البنيات التقليدية بالجنوب المغربي، ومنحته قدرة استثنائية على قراءة النسيج الاجتماعي المحلي الذي خدمه كإداري.
مساره المهني انطلق كمتصرف بالإدارة المركزية سنة 1992، قبل أن يُعيَّن بجماعة سوق السبت أولاد النمة (1992-1995). وفي 20 يونيو 1995 عاد إلى مسقط قلبه تيزنيت، حيث سيبصم على مسار إداري ممتد لثلاثة عقود. شغل منصب رئيس قسم الاقتصاد والتجارة والسياحة (1995-2011)، ثم الكاتب العام بالنيابة (2012-2013)، قبل أن يتولى منصب مدير المصالح الجماعية (2016-2018).
تميز الراحل بكفاءة عالية في تنظيم الأنشطة الاقتصادية، وتدبير الممتلكات الجماعية، والمساهمة في مشاريع السير والجولان، إضافة إلى دوره المحوري خلال فيضانات 2014. كما كان من المؤسسين الأوائل لمهرجان “تيميزار” للفضة، ومن المساهمين في مبادرات جماعية بارزة مثل تنظيم المخيم الجماعي والدفع نحو إحداث نواة جامعية بتيزنيت.
على المستوى الجمعوي والثقافي، كان الفقيد فاعلاً مدنياً بامتياز: رئيس فرع تيزنيت–سيدي إفني لـ “الجمعية الوطنية للكتاب العامين”، ورئيس “جمعية السوسيولوجيين بجهة سوس ماسة”، وعضواً نشيطاً في “جمعية إسمون للأعمال الاجتماعية والتراث”. كما كان مؤطراً للقاءات علمية وتكوينية، ومرافقاً للطلبة الباحثين، ومحاضراً في مسالك الماستر والدكتوراه حول الحكامة والتراب والأنثروبولوجيا.
ختاماً، لم يكن الدكتور الحسين عمري مجرد إداري ناجح، بل كان “مثقفاً عضوياً” بامتياز، جمع بين النظرية والممارسة، وترك بصمة عميقة في الوجدان التزنيتي. برحيله، تفقد المدينة واحداً من كنوزها البشرية، ورجلاً سيظل اسمه محفوراً في ذاكرة من عرفوه وتشرفوا بالعمل معه.
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته، ورزق ذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون.