بقلم سعيد اوزبير
تعيش معظم الجماعات المحلية إشكاليات متعددة تتعلق أساسا برهانات التنمية وقلة الفرص المتاحة لصناعة النهضة التنموية الشاملة وذلك من أجل الوصول إلى بلورة فلسفة الجماعة الترابية بكل مقوماتها المجالية، البشرية والاقتصادية، فالعديد من الجماعات تختزل وجودها في حيز ضيق يتلخص في التسيير العادي للمرفق العمومي، بيد أن الاطلاع على النص التنظيمي رقم 113-14 المتعلق بالجماعات المحلية يبين مدى الصلاحيات التي وضعها المشرع في يد المنتخبين من أجل تطوير جماعاتهم ونقل بعض السلطات الإدارية والتدبيرية من المركز إلى الجهة والإقليم ثم الجماعات المحلية حيث تتبلور سياسات الدولة وتوجهاتها الكبرى، إذ لا يمكن اعتبار الجماعات المحلية خارج السياق التاريخي للمجهودات التي تبدلها الدولة في شتى المجالات، فهي الأرضية الأساسية والصلبة للتقدم والرقي بالخدمات المقدمة للمواطنات والمواطنين، ففي إحدى الخطابات الملكية الأخيرة التي يمكن اعتبارها تأطيرا ملكيا للمجالس المنتخبة أوصى الملك بضرورة اختيار منتخبين جادين ومسؤولين قادرين على الاستجابة لتطلعات الساكنة، و لا يمكن حصر دور المنتخبين في العملية الانتخابية التي لا تدوم سوى بضعة أيام حيث تتبخر بعد ذلك آمال وتطلعات الموطنين، فالجماعة جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية للمواطنين، فهي الكفيلة بتقديم الخدمات الأساسية كالنظافة و الإنارة، وتوفير كل مقومات العيش الكريم، وهذا ما يؤكده النص التنظيمي من خلال تنصيصه على ضرورة إعداد برنامج عمل الجماعة وفق المقاربة التشاركية والتشاورية مع مختلف مكونات المجتمع، والذي يعتبر قوة اقتراحية ورافعة أساسية لنجاح أي برنامج أو مخطط، وكما هو معلوم فإن بعض جمعيات المجتمع المدني تتوفر على تصورات كبيرة وأطر بشرية مهمة كسبت التجربة الميدانية من خلال انجازها للعديد من المشاريع، لكن في المقابل نسجل انتهازية ووصولية لدى بعض الأشخاص ممن يتخذون العمل الجمعوي وسيلة للابتزاز والاسترزاق، والطامة الكبرى عندما يَرهن الفاعل الجمعوي نفسه للسياسي خدمة لأجندة لا تمت لأهداف التنمية بصلة، فتجده يقامر بالرصيد الجمعوي لهيئة مدنية قصد الحصول على مآرب شخصية، والعيب لما نجد السياسي يخترق جمعيات المجتمع المدني ويضرب مبدأ الاستقلالية والنزاهة فيكون الدعم العمومي المقدم مبني على الولاءات والسمع والطاعة لا على معايير موضوعية وواقعية، و أكيد أن هذه الطريقة لا تصنع الأفكار المبدعة والبرامج الجادة بقدر ما تصنع ثقافة الريع والاتكالية وتحارب كل فكرة مبدعة وخلاقة بل تضرب في الصميم فلسفة الديمقراطية التشاركية التي تعتبر أرقى ما توصل به العقل البشري، والأحزاب السياسية مطالبة بضرورة إعادة النظر في طرق إشتغالها وتشجيع الأفكار الإيجابية والإبداع في إيجاد الحلول وذلك بنفض العبار عن العقل الحزبي المتجمد منذ عقود من الزمان، والسير نحو التطور والتغيير لا يكون إلا بإبعاد الانتهازيين وأصحاب العقول المتحجرة عن مربع تسيير الشأن الحزبي، وإيصال سفينة الوطن لبر الأمان ليس بالمهمة السهلة خصوصا في ظل وضعها الكارثي ووسط بحر يتسم بالاضطرابات والتقلبات.
بعيدا عن علاقة الجمعوي بالسياسي فإننا ملزمون بتسليط الضوء على علاقة السياسي بالأطر الإدارية والتقنية، وهي ليست بهذه البساطة وإنما يستلزم وضعها في سياقها التاريخي من خلال طرق التوظيف المعتمدة بالجماعات المحلية خلال العقود الماضية، حيث غابت الرؤية والموضوعية وحضرت القرابة العائلية والحزبية، لما منحت السلطات الواسعة أنداك للمجالس في التوظيف المباشر وفتح الباب على مصرعيه للإنتهازية و أمور كثيرة نعرفها جميعا، فأصبحت الوظيفة العمومية مكانا للراحة والاستجمام وضمان “المستقبل”، بل أصبح التوظيف في الجماعات المحلية موقعا للتسلط على رقاب الضعفاء والمساكين والاغتناء غير المشروع، حيث ينتقل موظف بسيط في أدنى السلاليم من الدرك الأسفل إلى قوائم أثرياء القوم رغم أن ثروته أثناء ولوجه إلى الوظيفة لا تكاد تتجاوز حذاءه البلاستيكي، لكن سرعان ما يراكم وفي وقت وجيز ثروة هائلة في غياب المسائلة القانونية وربط المسؤولية بالمحاسبة،
وفي مقابل هذه الجيوش الانتهازية نجد داخل الجماعات المحلية كما باقي الإدارات العمومية، الكفاءات والأطر المشهود لها بالنزاهة والاستقامة تعمل في صمت وبجدية ومهنية عالية رغم تقليص دورهم والتهميش الذي يطالهم بين الفينة والاخرى، فهذه الكفاءات يتم اللجوء إليها فقط في بعض المناسبات أو كلما دعت الضرورة لذلك، رغم أن المغرب في أمس الحاجة إلى أطر إدارية وتقنية تستحضر المصلحة العليا للوطن وليس لهذه الجيوش الانتهازية التي لا تتقن سوى النهب والسلب وسب الوطن، فما أكثر أولئك المتملقين الذين دخلوا الجماعات المحلية عن طريق الوساطة والقرابة والمال فأصبح هدفهم وغرضهم الحصول على المال بأية وسيلة، ولو قمنا بالبحث والتدقيق في مصاريف التعويضات والتنقلات لوجدناهم على قائمة اللوائح بمبالغ مالية خيالية وهم في الحقيقة لا يقدمون أية خدمات للجماعة التي تجدها أسفل سافلين في مؤشرات التنمية، إن هذه الفئة تشكل خطرا كبيرا على الوطن حيث تتحالف مع فئة أخرى من بعض الانتهازيين ممن اختاروا العمل النقابي قصد الابتزاز ولي الذراع لفرض الأمر الواقع بقوتهم في الفعل “البلطجي” فهي كذلك فئة تتربع على عرش المكاتب النقابية بدعوى الدفاع عن حقوق الموظفين، وفي الحقيقة ما هم إلا صناع الاوهام يخدعون بعض البسطاء ويتاجرون في معاناتهم مقابل الحصول لأنفسهم على امتياز وهمي يخول لهم بعض السلطات والصلاحيات الواسعة في مربع “السلطة التنفيذية” داخل الجماعات المحلية والادارات العمومية، لكن لا يمكن إغفال الفئة القليل المؤمنة والمتشبعة بالعمل النضالي النبيل والمبني على القناعة الراسخة في الدفاع عن حقوق المستضعفين.
إن صناعة التنمية واجب أخلاقي يستلزم الوحدة الوطنية لكافة القوى المؤمنة بالوطن والمواطن، فكما قال رئيس الدولة لا يمكن الحديث عن الارقام والمؤشرات في غياب وقعها على الحياة اليومية للمواطن، وهذه إشارة واضحة من أعلى سلطة في البلاد بضرورة الاهتمام بالإنسان والاستجابة لكل تطلعاته لتحقيق التنمية المستدامة، وهذا الفعل يتطلب وجود الرؤية والإستراتيجية ونكران الذات والتضحية والكفاءة.
الإعلانات
مناقشة هذا المقال