بقلم عادل بن الحبيب.
أصدرت وزارة التربية الوطنية يوم السبت 22غشت الماضي على بعد أسبوع من انطلاق الموسم الدراسة قرار اعتماد التعليم عن بعد كصيغة تربوية في بداية الموسم الدراسي 2020-2021 بالنسبة لجميع الاسلاك بكل المؤسسات التعليمية مع توفير تعليم حضوري بالنسبة للمتعلمين الذين سيعبر أولياء أمورهم عن اختيار هذه الصيغة, مع تأجيل الامتحان الجهوي الموحد للسنة اولى باكالوريا و الذي كان مقررا في بداية شهر شتنبر ، القرار أثار سخط وغضب أولياء التلاميذ و أطر التدريس و الأطر الإدارية وكل من له شأن بالحقل التعليمي .
هذا القرار المتناقض و الغير منسجم ، المتسم بالارتجالية و عدم الواقعية و الذي لا يراعي المصلحة الفضلى للمواطن، شأنه شأن العديد من القرارات الحكومية التي صدرت مؤخرا من قبيل قرار يوم الأحد القاضي بمنع التنقل بعد أن دعت الحكومة إلى تشجيع السياحة الداخلية ، وقرار الإبقاء على الإحتفال بعيد الاضحى في ظرفية استثنائية و جد خطيرة لازلنا نجني تبعاتها الى غاية اليوم ، يوضح جليا أن هناك خلل في اتخاذ القرارات فكل هذه القرارات لم تخلق سوى الفوضى و زادت من تأزيم الوضع اكثر مما هو عليه . إن اتخاذ القرارات هو مهارة تنقص العديد من المسؤولين وأصحاب القرار ، هو علم يدرس بالجامعات وهناك العديد من الكتب في هذا المجال ومنها ما يختص بالقرارات الإدارية من ناحية قانونية ومنها ما يختص بالنواحي التنظيمية وكلاهما يهدف الى تحقيق المصلحة العامة في المجتمع .
وعودة إلى قرار وزارة التربية الوطنية و نبدأ الحديث عن التعليم عن بعد .
التعليم عن بعد فشل بشهادة الجميع ،المندوبية السامية للتخطيط أكدت أن 80 في المئة من التلاميذ لم يواكبوا التعليم عن بعد ، جميع تلاميذ المجال القروي لم يكن لهم إمكانية الاستفادة من التعليم عن بعد نظرا لعدة أسباب منها انعدام الأنترنيت و عدم التوفر على التجهيزات الضرورية لذلك . التعليم عن بعد مصطلح فضفاض فماذا نقصد به هل هو الدروس المقدمة في الاذاعات الوطنية؟ هل هو كراسة الدعم التي تم توزيعها على التلاميذ؟ هل هو دروس تبعث عبر الواتساب؟ هل هو دروس تقدم عبر مسطحات ؟هل هو دروس مسجلة من طرف اساتذة؟ هل هو دروس حية مصورة من طرف اساتذة المادة؟ هل و هل…..
التعليم عن بعد اتبث فشله الذريع بشهادة الوزارة نفسها لذلك لم تعتمد دروسه في الامتحانات الاشهادية لانه اصطدم بالعديد من المعوقات، حيث ان نساء و رجال التعليم وجدوا أنفسهم يواجهون هذا النوع من التعليم بين عشية وضحاها بينما ظلوا لسنوات ، معزولين عنه بطريقة ترك الكثير منهم في حالة من الارتباك ، خاصة انهم لم يسبق لهم الاستفادة من تكوينات في هذا المجال ، أضف على ذلك عدم توفر الموارد الرقمية الجاهزة للاستخدام ، وعدم القدرة على إنتاج المحتوى الرقمي ، وصعوبات الوصول للمنصات التعليمية الافتراضية ، وعدم قدرة على إدارة أجهزة الكمبيوتر … أو قصور الوسائل الرقمية وحدودها (أجهزة كمبيوتر ممتازة ، هواتف ذكية ، كاميرات …) أو حقيقة أن اغلب الاسر يفتقرون إلى تغطية الإنترنت أو لديهم سرعات منخفضة كما ان التعلم عن بعد يتطلب الكثير من الجهد من الآباء ،وليس بامكان جميع اولياء تلاميذا مساعدته ابنائهم . و من هذا المنطلق ظهر جليا عدم المساواة و تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ لان التعلم عن بعد بصيغته الحالية سيؤثر سلبا على تعلم الأطفال المحرومين. و لن يؤثر على الأطفال من العائلات الأكثر ثراء و التي تتوفر على كل الامكانيات ، في حين سيؤثر على الأسر المتوسطة الدخل و الفقيرة.
نأتي إلى التعليم الحضوري ، اذا اختار كل أولياء امور التلاميذ التعليم الحضوري سيحتم على الوزارة ان تكون جاهزة لاستقبال ازيد من 8 ملايين تلميذ و ازيد من 260 ألف استاذ و أستاذة و أزيد من 20 الف اداري , هل الوزارة مستعدة لذلك في ظل الحالة الوبائية الخطيرة التي نمر بها . وهنا يمكن عن نتحدث عن أي ضمانات يمكن ان تضمنها الوزارة حتى لا يتم اصابة التلاميذ بالفيروس. تلاميذ الابتدائي لا يمكن ان تفرض عنهم التباعد و لايمكن ان تفرض عنهم الكمامة ولا يمكن ان تمنعهم من اللعب , التلاميذ مهددون بشكل كبير، يمكن ان ينتقل اليهم الفيروس في حافلات النقل او داخل القسم او اثناء الاستراحة يمكن ان ينتقل الفيروس من استاذ الى تلميذ او العكس بمعنى سنخلق بؤر مدرسية كل يوم و في جميع أرجاء المملكة.
اذا انقسم اولياء التلاميذ الى من يريد تعليم حضوري و من يفضل التعليم عن بعد أي جزء من التلاميذ سيلتحق بالمدارس و الجزء الاخر يبقى في البيت كيف للاستاذ ان يوفق بين ذلك تدريس حضوري عن بعد ،و اين هو مبدأ تكافؤ الفرص .
كيف يتم تأجيل الامتحان الجهوي الموحد للسنة اولى باكالوريا و الذي كان مقررا في بداية شهر شتنبر بعد أن اجتهد التلاميذ طيلة هذه المدة و قاموا مجهودات كبيرة و منهم من صرف الكثير في الدروس الخصوصية و بعد كل ذلك يتم تأجيله الى وقت لاحق، اي كل هذه المجهودات ذهبت ادراج الرياح. مسألة اخرى اذا كانت الوزارة عاجزة عن تدبير امتحان جهوي فكيف بإمكانها تدبير دخول مدرسي.
مسالة ترك الاختيار الى أولياء الامور , حق اريد به باطل كيف تخير أب او أم بين الدراسة و صحة ابنائها ؟بالله عليكم كيف و كل المؤشرات تدل على ان الحالة الوبائية جد خطيرة؟ كيف تخير الاباء بين حياة ابنائهم او الدراسة ؟ كيف و قد تم تعليق الدراسة في شهر مارس الماضي الى غاية نهاية السنة و الحالة الوبائية انذاك كانت متحكم فيها و عدد الاصابات لا يتعدى 100 و الان تريد التدريس حضوريا و الحالة الوبائية غير متحكم فيها و عدد الاصابات بالآلاف.
هذا القرار جاء ليحمي لوبي القطاع الخاص ليس إلا، قرار يمس حقوق الطفل و يهدد أمنه و صحته و سلامته يمس حقه في تعليم عادل و ذو جودة ، قرار يخدم لوبي القطاع الخاص و يمكنه من امكانية استخلاص الواجبات الشهرية دون ادنى مشكل و يزيد من أرباحه .
مسألة اخرى غاية في الاهمية ،اين هي المقاربة التشاركية في اتخاذ القرارات ، كان يجب اشراك كل الفرقاء من نقابات جمعيات و مجتمع مدني في اتخاذ القرار المناسب عوض الانفراد باتخاذ قرار مصيري كهذا.
كان من باب اولى تأجيل الدخول المدرسي الى حين اتضاح الرؤية و التحكم في الوضعية الوبائية وبعد ذلك يمكن تقديم تصور واضح و منطقي لكيفية تدبير قطاع حيوي كقطاع التعليم يضم ملايين التلاميذ و آلاف الاساتذة .
سبق و قلتها في مقال سابق لانريد بؤر مدرسية ..عودة أبنائنا الى المدارس الى حد الساعة غير آمن.
حرب الأغنياء على الفقراء تبدأ من المدرسة كما قال بيير بورديو
حفظ الله بلدنا و جعله آمنا مطمئنا .
مناقشة هذا المقال