أكدت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، أن تدبير الحكومة لجائحة كورونا اتسم بالإخفاق والارتباك، وتخلي رئيس الحكومة عن صلاحياته، أمام انفراد وزارتي الداخلية والصحة بتدبير المرحلة.
وقالت منيب إن الانتخابات مازال يحكمها “مول الشكارة” واستعمال المال الحرام، في ظل حياد سلبي للدولة. في ما يلي نص الحوار:
أجرى الحوار: برحو بوزياني
< كيف تقيمون تدبير الحكومة في مواجهة أزمة "كورونا" والتي سترهن مستقبل البلاد خلال السنوات المقبلة؟ < فوجئت الحكومة بالجائحة، لكن كانت لها الفرصة لمتابعة تطور الوباء في البلدان الأخرى، ولهذا استبقت إلى فرض حالة الطوارئ الصحية، والحجر الصحي المبكر، علما منها بضعف المنظومة الصحية الوطنية، غير المؤهلة لاستقبال افواج كبيرة من المصابين. ولذلك منحت الثقة وانخرط المغاربة في احترام الحجر الصحي، رغم أن الآلاف من المواطنين كان عليهم الخروج يوميا للحصول على لقمة العيش، خاصة العاملين في القطاع غير المهيكل. وسجلنا ارتباكا في البداية في عمل الحكومة، خاصة في الجانب التواصلي، ثم كان الإخفاق الثاني في تدبير احترام القوانين والدستور، ووقفنا على تخلي رئيس الحكومة عن صلاحياته، فيما انفردت وزارتا الداخلية والصحة بتدبير المرحلة، بكل ما حملته من تناقضات وارتباك أيضا، عوض أن يقوم بمسؤوليته باعتباره رئيس الفريق الحكومي. < أين يتجلى الارتباك في عمل الحكومة أو ارتجالها؟ < كان هناك فشل ذريع في تدبير ملف المغاربة العالقين في الخارج، بالإضافة إلى توزيع الإعانات، ولم يكن تدبيرا عقلانيا، وحرم آلاف المواطنين، خاصة في الوسط القروي، من الحصول على تلك المساعدات، ناهيك عن بعض الممارسات السلطوية التي انضافت إلى معاناة الفقر والتهميش. < ما هي مقترحاتكم من أجل إعادة إنعاش الاقتصاد والخروج من مرحلة الحجر بكل تداعياتها؟ < لابد من التوفر على المعطيات الكاملة حول نسبة الفقر وحقيقة الهشاشة والفوارق المجالية، وقد اقترحنا تقديم إعانات دائمة لكل الذين يوجدون في حالة هشاشة، في انتظار تأهيلهم وإدماجهم في مهن تؤهلهم لكسب القوت اليومي. ورأينا أن ثلثي المغاربة هم في حاجة إلى المساعدة، ضمنهم التجار الصغار الذين لم تلتفت الدولة إليهم، كما أن النظام البنكي لم يلعب دوره كاملا في تمويل ومنح قروض للفائت الهشة، بشروط تفضيلية تساعدهم على إعادة الدورة الاقتصادية. ورأينا تسريحات تعسفية، بل سجلنا تقديم العديد من المقاولات لحسابات مزورة للتنصل من واجباتها تجاه المستخدمين، والاستفادة من إعانات صندوق الضمان الاجتماعي. إن مغرب ما بعد كورونا يفرض التقدم في اتجاه محاربة الفساد، وتوفير الشروط لإعادة تنشيط النسيج الاقتصادي الذي يتشكل في أزيد من 90 في المائة منه من المقاولات الصغرى والمتوسطة. وعلى الدولة أن تتحمل مسؤولية الاستثمار، وهي قناعة تأكدت حتى في الدول الكبرى، انطلاقا من مسؤولية الدولة الاجتماعية، في النهوض بالقطاعات المتضررة، ومحاربة جشع بعض الشركات التي تستغل الجائحة للسطو على كل القطاعات المنتجة، وقتل النسيج الاقتصادي الذي يشكل الأوكسجين والموفر لآلاف مناصب الشغل. < أثارت خرجاتكم الإعلامية الكثير من الجدل، اعتبرتم أنه استهداف لمواقف الحزب. كيف تفسرين الانتقادات الموجهة إليك اليوم؟ < أولا، نحن نعيش وضعا استثنائيا بسبب جائحة وباء كوفيد 19، وتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي عرفت تأزما غير مسبوق. وقد أثارت هذه الوضعية نقاشا داخل الحزب الاشتراكي الموحد، بارتباط مع مشروعه السياسي، وأيضا بإعادة بناء اليسار عموما. في هذا الصدد، نقر أن هناك تباينا في وجهات النظر داخل الحزب حول الدور الذي يجب أن يلعبه، مع الفدرالية واليسار عموما. هذا التباين في المواقف المعبر عنها حينا وغير المعبر عنها أحيانا أخرى، كان وراء طرح سؤال مغلوط حول من مع الاندماج ومن ضده، وكأن الاندماج بين مكونات الفدرالية سيحل كل الإشكالات بعصا سحرية. < هل معنى ذلك أنكم تقرون بوجود مشاكل داخلية؟ < الوضع الداخلي أثر كثيرا على مجريات الأمور، فهناك أغلبية تريد أن تتقدم في اتجاه تقوية الحزب تنظيميا، وتوضيح مشروعه المجتمعي ومداخله، في ارتباط مع مغرب ما بعد كورونا. وهناك من يؤمن بأن إعادة بناء اليسار يجب أن تبدأ اليوم، لأن القوة ستأتي من التجميع. < هل هذه الأصوات من داخل الحزب أو من باقي مكونات الفدرالية؟ < هي أصوات من داخل الحزب أكثر مما هي داخل الفدرالية، لأن التباين الأساسي برز داخل الحزب الاشتراكي الموحد، وليس مع الرفاق في الفدرالية الذين لهم تقديرات أخرى، ولهم أوضاع مغايرة لحزبنا الذي يعتبر مزيجا من مكونات ومدارس مختلفة، ما زالت قائمة في جانب كبير. إننا نؤمن بخط يساري متميز عن النظام والأصولية الدينية، وهناك خط لا يعبر عن نفسه بوضوح، يعتبر أن هجمة التيارات الإسلامية تشكل خطورة على الوضع، وهذا تباين لم نعطه أهمية كبرى، لأننا ملتزمون بمخرجات المؤتمر الوطني، التي تؤكد أهمية الإصلاحات السياسية العميقة التي تدخل البلاد في سلسلة من القطائع،عوض الاكتفاء ببعض الترميمات. والحال أن هناك من يرى أن الأوضاع تستدعي حزبا أكثر مرونة واعتدالا، وهذا مستجد داخل الحزب، لم يناقش قط ولم يعتمد في نقاشات المؤتمر. وهذا لا يعني أننا ضد فتح الحوار حول كل القضايا والمواقف، لكن نحن ملتزمون بالخط الذي توافقنا عليه في المؤتمر. هناك خلاف بين مشروعين < أثيرت ضجة أخيرا حول بعض تصريحاتك. هل لنا معرفة حقيقة ما يجري في حزبكم؟ < نحن حزب يساري يحتل فيه البعد التنظيمي موقعا أساسيا لتثبيت المشروع السياسي، وهناك بعد التأطير والالتزام النضالي على كل المستويات، بما يعني من احتكام إلى المؤسسات والقوانين والمساطر التي تحكم جميع الأعضاء. أما اللغط الذي صاحب بعض الكلمات التي وصفت بها بعض الممارسات المخلة بالأخلاق، التي لم يقبلها أحد داخل الحزب، فهي محاولة للتغاضي عن ممارسات مرفوضة، والتركيز، بدل ذلك على ما عبرت عنه من رفض لتلك الممارسات. فعندما وجه الحزب رسالة إلى "الهاكا" بشأن خطاب عنيف ضد المرأة عبر إحدى القنوات، وجدنا أنفسنا أمام خطاب عنيف موجه ومشخصن ضدي. ونعتبر في المكتب السياسي أن الهجوم على الأمينة العامة هو هجوم على الخط السياسي الراديكالي، وأؤكد لكم اليوم أنه ليس هناك خلاف بين الأشخاص داخل الحزب، بل بين مشروعين على الأقل، حول كيفية تدبير المرحلة، وتحديد معالم المشروع المجتمعي. وهذا الاختلاف لدينا كل الإمكانيات لمناقشته ، داخل المجلس الوطني المقبل. نحن لا نكمم الأفواه أولا، أنا أمينة عامة للحزب والناطقة الرسمية باسمه. ثانيا نحن لا نكمم الأفواه، وقد لاحظتم خلال فترة الحجر الصحي، كيف ساهم مناضلون من المجلس الوطني في تأطير ندوات بالعشرات، وفي جميع القضايا، وهناك رفاق يعبرون عن آرائهم دون أي تكبيل أو تهميش أو رقابة. أنا منذ ثماني سنوات على رأس الحزب، وكانت لي الفرصة للحضور السياسي والإعلامي، وهذا دوري أمينة عامة، يجب أن أقوم به كاملا، ومن يقول إنني أستحوذ على المشهد، فليأخذ المبادرة، وليس هناك ما يمنعه من التحرك في جميع مناطق المغرب، وليعبر عن مواقفه ويتواصل مع الفروع والمواطنين. هذا نقاش مغلوط، فالحرية مضمونة لجميع المناضلين، لكن في إطار القانون ومن داخل المشروع، بل هناك تعبيرات حتى في تناقض مع بيانات المكتب السياسي في أكثر من مناسبة. ومع ذلك، هناك تسامح وإقرار بالحرية في الاختلاف، ونحن مقبلون على الانفتاح أكثر، في إطار فدرالية اليسار، على آراء وتعبيرات أخرى. وبالعكس، على الرفاق أن يعتزوا بحضوري الكامل، وأني لست غائبة عن الساحة، وكان الأمر سيكون طبيعيا لو كنت مقصرة في التعبير عن مواقف الحزب، ومحاسبتي على ذلك، وأنا مستعدة للمحاسبة عن أدائي في قيادة الحزب. وأرى أن هناك تحاملا غير مبرر على شخصي، وأنا أتحمل المسؤولية لولاية ثانية، وأعتبر أن من يتحمل المسؤولية سيتعرض للنقد، ومستعدة للمحاسبة، وليطمئن الرفاق أنني لست من التافهين، الذين يؤمنون بالكراسي أو بالمواقع. خفوت اليسار اليسار كان دائما ومازال محاربا، فهو يقدم مشروعا مجتمعيا بديلا، من العدالة الاجتماعية والمواطنة الكاملة، والديمقراطية الحقيقية. واليوم، ما زال اليسار غير مرغوب فيه، فالمشهد السياسي يضم أحزابا على الطلب، وفاقدة للاستقلالية عن طواعية أو مكرهة. ولذلك، فمشروعنا مازال مهمشا، لأنه يمثل سلطة مضادة. بخصوص وضعنا التنظيمي، أذكر فقط بمشاركتنا باسم منظمة العمل في انتخابات 1997، أنذاك حصلنا على 200 ألف صوت، لكن لم نتجاوز في الانتخابات الأخيرة باسم فدرالية اليسار 160 ألف صوت، ولدينا معطيات رقمية عن التزوير الذي طال عددا من الدوائر التي ترشحنا فيها. ونعتبر أن الدولة تعتبر أن الخط الثالث الذي نمثله في مواجهة القطبية الثنائية المروج لها، غير قادر على مواجهة التيار الإسلامي. مول الشكارة الانتخابات مازال يحكمها "مول الشكارة" واستعمال المال الحرام، في ظل حياد سلبي للدولة، ما يعطي خريطة سياسية لا تعبر عن الإرادة الشعبية. وبخصوص الوضع التنظيمي، لدينا أزيد من 120 فرعا، لا تتوفر عليها حتى الأحزاب الكبرى، وحاضرون في العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني وفي النقابات والحركة النسائية، ورغم ذلك، نجد أن الحصيلة في الانتخابات تكون ضعيفة، لأن جزءا كبيرا من المؤهلين للتصويت على مشروع اليسار، عازفون عن المشاركة، بل غير مسجلين في اللوائح الانتخابية. استعادة الثقة أولا نطالب اليوم الدولة باستثمار أجواء الثقة التي فتحتها مع مواجهة جائحة كوفيد 19، والتضامن الذي كان بين المغاربة، لإعادة ثقة المواطنين في المؤسسات، خاصة أن الانتخابات تشكل محطة أساسية للبناء الديمقراطي. لذلك طالبنا بانفراج سياسي وإعطاء إشارات سياسية تنضاف إلى الإقرار بفشل النموذج التنموي، وصياغة مشروع جديد قادر على تنمية الإنسان في جميع المستويات. اليوم لابد من الأخذ بعين الاعتبار دروس تداعيات الجائحة، ، وبناء الثقة لاستعادة الأمل في إمكانية مواجهة الأزمة الشاملة التي نتجت عنها، والتي تسببت في إغلاق أزيد من 132 ألف مقاولة صغرى ومتوسطة، ورفعت أعداد العاطلين عن العمل بسبب التسريح. واليوم أزيد من 900 ألف مستخدم يحصلون على إعانة من صندوق الضمان الاجتماعي. إن استعادة الثقة وإعادة إنعاش الاقتصاد الوطني يحتاجان إلى إشارات قوية وليس فقط ترميمات، كما جرى في قانون المالية التعديلي. خيار الفدرالية لارجعة فيه الفدرالية واعية تمام الوعي أنه إذا لم تتغير الأوضاع، وإذا لم يحدث هناك انفراج وإصلاحات سياسية للمنظومة الانتخابية، وتشكيل هيأة مستقلة للإشراف على الانتخابات، فسيبقى الوضع على ما هو عليه، سواء اندمجت، أم لم تندمج. هناك محاولات لإعادة ترتيب الأوراق، من منظور الدولة الخاص، وكأنه ليست هناك إرادة شعبية قد تفرض اختيارات جديدة. فاندماج مكونات الفدرالية غير مرتبط بالانتخابات، فمنذ 2007 ونحن نتقدم بمرشح مشترك، وخضنا حسب مرصد الانتخابات أنظف حملة انتخابية، إلا أن النتائج كانت هزيلة. ونعتبر أن خيار الفدرالية لا رجعة فيه، ويدخل ضمن إطار جهود إعادة بناء اليسار، ونريد الانفتاح من خارج المكونات الثلاثة على كل الطاقات للوصول إلى الكتلة الحرجة، من أجل فرض التغييرات الضرورية. ولا بد من الاجتهاد في المشروع التنظيمي للحزب اليساري الكبير، بما يضمن عقلنة تدبير الاختلاف وتعزيز الحرية وبناء التيارات، ونقد تجربة العمل النقابي في العلاقة مع ما هو سياسي، والتدقيق في الهوية، وتحديث آليات العمل.
مناقشة هذا المقال