قريبا سيخرج من المطبعة الجزء الأول من مذكرات الأخ العزيز الأستاذ أحمد الطالبي المسعودي: ((الأسرار من محلها)). الجزء الأول: (“تكدالت”.. سيرة قرية) وقد قدم له الأستاذ عبد الصمد الكباص، ومما ورد في تقديمه:
“ما هو موضوع هذا الكتاب؟ إنه أكثر من سيرة ذاتية ومن تأريخ محلّي ومن تدبّر للمعاني التي حققتها الحياة عبر منعرجاتها المدهشة في مؤلِّفه المغامر في محنة النسيان واختراق جبهات التذكّر. إنه كتاب في فائض الحياة الذي يغمر المكان قبل الأشخاص، فيُفجّر سيول السّرد كامتداد للمكان، الذي يكون بدونها عاريا من أي معنى. فكما أن الكتابة تَقَدُّم في المكان، فالمكان ليست له من ماهية في هذه التجربة من دون أن يكون انتقالا في اتجاه الغير.”
ومما جاء في تقديم المؤلف أحمد الطالبي المسعودي للجزء الأول من مذكراته:
(سيرةُ مكان..)
“بين يدي القارئ نصوص حميمية كتبتها في البداية لنفسي، بعدما تحرّرت من الإرث العائلي ردحا من الزمن، وارثاً منهم الترحال الباحث عن الخصب. ولم يعد انتمائي مستندا إلى نواميس العشيرة منذ ودّعني المختار السوسي وودّعته، بعدما عرّفني بالجذور.. اعتمدت السير على قدمَي وجبت المسافات، حتى اضمحلّت أمامي الحدود والعشائر واختفى رنين النّسب الموروث. واستندت هويتي إلى مسلكيات ومرجعيات جديدة، تماهيت معها طيلة زمن الرّحلة.
اليوم، أجدني كاتبا لسيرة مكان (تگدالتْ) والعشيرة تحتضنني، لأكتشف أن مساري لم يتقاطع مع مسار أجدادي. وجدت أن حياتي كلّ لا يتجزّأ، يستمدّ الجذور من بدايات القرن العشرين، ونحن الآن في القرن الحادي والعشرين. ماضي أسرتي ومسارات نسائها ورجالاتها الذين استهواهم الانقطاع للبناء الثقافي من الجنوب ومن هذه القرية، بينما استهواني بناء العالم من الشّمال..
سيل من الأسئلة أطرحها، ولن تكون الأجوبة إلا في خبايا “التابوت”، الثابث، القابع في مكانه، مصونا بحبّات الكافور. تفاديت الحكي الأسطوريَ عن العائلة وأُبت إلى المستندات والهوامش المُحرَّرة. وبالانتقال من نصّ إلى نص، تكونّنت ملامح وتوالت صور. فالنصوص والقصاصات المبعثرة لا يمتدّ إليها الشكّ ولا يطولها الفناء. فقد اقتبستُ النصوص، ببساطتها وعفويتها وشاعريتها أحيانا، ومن خلالها رسمت المسارات. أمدّتني بشحنات للبوح المُباح وغير المباح وشفعت لي بالحياد واستشعار الاحتماء.”
كتاب يستحق القراءة وستكون له قيمة ثقافية مضافة تغتني به المكتبة المغربية وسيفيد منه الباحثين والمنقبين عن الجذور الثقافية والأدبية لسوس العالمة.
وللعلم فإن الأخ العزيز أحمد الطالبي المسعودي، ليس مثقفا وأديبا وشاعرا فقط، بل هو من قدماء المناضلين في صفوف الحركة التقدمية المغربية ومن أحد قادة الاختيار الثوري, عانى من المنفي القسري لسنوات عديدة. وحين يتحدث تحس بالصدق في كل كلمة يقولها، فهو ليس من الأشخاص المرضى بتضخيم الذات، بل يعطي لكل ذي حق حقه، ورغم أنه يعتبر من صناع الكثير من الأحداث في حركة الاختيار الثوري، فإن في الذي يكتبه لا تجد أي تضخيم للذات أو ادعاء بنسبة كل شيء لنفسه كما فعل البعض ممن كتبوا مذكراتهم.
تحية للعزيز الوفي الصادق الصدوق أحمد الطالبي المسعودي وهنيئا لنا وللمكتبة المغربية بمذكراته التي تعتبر إضافة نوعية لما كتب في هذا النوع من السرد..
مناقشة هذا المقال