أيت أورير.. مدينة تختنق بين الغبار والفساد”

بقلم محمد الغلوسي
زرتُ مدينة أيت أورير التابعة لإقليم الحوز، ولا أدري إن كان يصح فعلاً أن نطلق عليها اسم “مدينة”. فكل ما فيها يوحي بأنها أقرب إلى دوار كبير أكثر منها إلى مركز حضري.
الكلاب الضالة تتجول بلا رادع، العربات المجرورة تتقاطع مع أكوام الأزبال، والغبار يملأ الأجواء في كل الاتجاهات. من يمر من وسط هذه المدينة يخاله قادماً من حرب مدمّرة: أتربة، نفايات، حفر، وروائح تزكم الأنوف. لا أثر لقنوات الصرف الصحي، ولا لبرامج تنموية على الأرض، ولا لفرص عمل تحفظ الكرامة. الفقر هنا له ملامح واضحة، يقرأه الزائر في وجوه الناس التي تقول بمرارة إنهم مجبرون على البقاء لأنهم ببساطة لا يملكون بديلاً.
لكن المفارقة الصارخة، أنّ في مقابل هذا البؤس المتراكم، يتحدث السكان عن ثراء فاحش راكمه بعض من يُدبّر شؤونهم. وجوه يعرفونها جيداً، كانت في الأمس القريب بلا شيء، قبل أن تتسلق سلالم السلطة والنفوذ وتتحول إلى “نخبة” تملك العقارات والسيارات والممتلكات داخل المغرب وخارجه.
الناس يتساءلون: أين أعين المفتشية العامة للداخلية؟ أين المجلس الأعلى للحسابات؟ كيف لم يرَ أحد هذا الخراب الذي يبتلع حياة المواطنين؟ لقد تواطأ جزء من السلطة مع جزء من النخبة الحزبية الريعية، فحوّلوا أيت أورير إلى جحيم مفتوح، وجعلوا من العيش وسط الأزبال والغبار قدراً لا فكاك منه.
ومع ذلك، لا يزال الناس يأملون أن تُشهر الجهات المختصة سيف المحاسبة، وأن تُفتح ملفات تبديد المال العام والاغتناء غير المشروع، لأن طريق استعادة الثقة والأمل لن يكون إلا عبر عدالة حقيقية لا تفرّق بين قوي وضعيف.
صحيح أن ما وقع مؤخراً من أحداث عنف بأيت أورير، وشارك فيها بعض القاصرين الذين جرى اعتقالهم وتقديمهم أمام القضاء بمراكش، أمر مرفوض ومدان، ويجب أن يُعاقب وفق القانون. لكن يجب أيضاً أن نُدرك أن هؤلاء القاصرين ليسوا سوى أبناء واقع ميت، أبناء مدينة بلا حياة ولا أمل، ضحايا إهمال جماعي وفساد مزمن.
ولذلك، على العدالة نفسها أن تتحرك بالصرامة ذاتها ضد من نهب المال العام واختلس الميزانيات واستغل السلطة لبناء الثروة وتبييض الأموال. تلك هي الجرائم الحقيقية التي أجهضت أحلام مجتمع بأكمله في التنمية والعيش الكريم، وبدون محاسبة مرتكبيها، سيبقى الهامش المغربي شاهداً على موت التنمية واغتيال الكرامة.