يونس مسكين : مدونة “حديثة” للأسرة؟

بشكل مبكر وقبل أن تباشر الأطراف التي كلّفها الملك بتحضير المراجعة المنتظرة لمدونة الأسرة، تبدو كفة الميزان مائلة بشكل واضح لصالح المعسكر “الحداثي”.
المؤشر الأول هو المسطرة التي اختارها الملك لمباشرة المراجعة، وخلافا للمرة السابقة (2001)، التي اختار فيها الملك تشكيل لجنة استشارية تضم قضاة وخبراء قانونيين وعلماء دين، برئاسة إدريس الضحاك ثم امحمد بوستة؛ جاءت المبادرة هذه المرة متخذة مسافة إضافية من المعسكر “المحافظ”، بما فيه علماء الدولة الذين لم يدرجهم الامر الملك سوى كطرف من بين الأطراف التي أوصى باستشارتها، بعدما حصر دائرة الإشراف على تحضير المراجعة في كل من الحكومة (وزارة العدل) والسلطة القضائية.
فرغم أن الصفة الأساس التي تحرك من خلالها الملك هي إمارة المؤمنين، إلا أن حضور البعد الديني في الخطوة بقي محدودا، لا يتجاوز التأكيد على عدم تحريم الحلال أو تحليل الحرام، كما جاء في الخطاب الملكي الاخير حول الموضوع.
مؤشر آخر على هذا الميل، هو صدور الأمر الملكي في ظل وجود الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، عبد اللطيف وهبي، في منصبه كوزير للعدل، بعدما حرث الميدان بجراره المجهز بخطاب “حداثي” لدرجة إثارة الكثير من الحساسيات “المحافظة”.
ما لم يحدث تعديل حكومي في الأيام القليلة المقبلة، يخرج حزب الجرار أو زعيمه من الحكومة، فإن هذا المؤشر يعتبر دليلا على أن نتيجة “اختبار” ردود فعل المجتمع عبر تصريحات وخرجات وهبي، كانت في صالح المعسكر “الحداثي”.
في المقابل، ينطلق هذا الورش في وقت يعيش فيه المعسكر “المحافظ” أسوأ أيامه، مجسدا بالخصوص في حزب العدالة والتنمية وما كان يمثله في المحطات السابقة من الصراع حول المنظومة التشريعية الخاصة بالأسرة.
هذا المعسكر، وعكس فترة “الخطة” الشهيرة قبل ربع قرن من اليوم، يبدو أعزل ولا يملك مخالب ولا أنياب، لتعبئة الشارع والتحرك ضد المد “الحداثي” المرتقب، ولن نجد أفضل من خطوة التطبيع والانغماس فيه للتدليل على غياب هذه القوة “المحافظة” عن ميزان القوى السياسي الحالي.
إذا أضفنا إلى ذلك مواقف وآراء الأطراف والمؤسسات التي وضعها الأمر الملكي في الخانة نفسها مع المجلس العلمي الأعلى، خاصة منها المجلس الوطني لحقوق الانسان، فإن الراجح أن الإصلاح المنتظر سيحمل جرعة تحديث جديدة إلى الترسانة القانونية المؤطرة للأسرة.
منقول عن الصحفي يونس مسكين.