قبل تسجيلي في المدرسة الابتدائية كنت مع مجموعة من اصدقائي نتابع تعليمنا في حفظ القرآن الكريم عند الفقيه سيدي احمد بمسجد ادزكري .
قضيت هناك بعض الوقت قبل ان اذهب عند والدي الدي يعمل بدوره كفقيه في مسجد اد العربي الدي تكلمت عنه سابقا.
وكان هناك محطات منذ ذلك الوقت و أنا موجود كطالب في ادزكري لابد من التحدث عليها لأنها تستحق الكتابة في نظري لأنني عاهدت نفسي لكي أقول كل صغيرة و كبيرة شاهدتها أو وقعت لي أثناء طفولتي أو شبابي أيضا.
في هذا السن من عمري، كنت البس فقط جلبابا أو ’فوقية’ و لا يهم ان كانت بالية أو جديدة، أما الحداء فلا يلبس إلا الميسورين من أصدقائي وهو عبارة عن ’صندلا لميكا’ و لا يهمنا ذلك لأننا تعودنا حتى على لعب الكرة أو الجري ….. ونحن حافي القدمين وحتى إذا أصبت أثناء اللعب بجرح ما، فجواؤه بسيط جدا ، تصب عليه قليلا من التراب، أو نقوم بالبول عليه، وهذا كاف، وفي بعض الأحيان يبقى لشهور حتى يشفى لوحده. وفي هذه المدة كانت عندي ’تجبيرت’ أو ’شكارت’ بالعربية وكانت لا تفارقني و لا أتركها إلا عنج الذهاب إلى النوم. إنها صندوق أسراري، أضع فيها الخبز و القلم الذي أكتب به، و بعض الأشياء الخفيفة التي كنت ألعب بها.
أما العطلة الأسبوعية فتكون أيام الجمعة عكس اليوم، و في يوم من أيام العطلة، التقيت مع أصدقائي مساء ذلك اليوم، لم نجد شيئا نلهي به أنفسنا فقرر أصدقائي و أنا معهم الذهاب إلى قصبة البنان و بالضبط في ذلك المكان الذي تتواجد فيه الدكاكين المعروفة اليوم ببيع الأواني البلاستيكية سألت أحد أصدقائي
ـلماذا هذا المكان؟ ليس هناك شيء يستدعي الذهاب إلى هناك،
ـ أجابني صديقي محمد وهو من أصل بعمراني ’سنتفرج على ’إسكايرين’ أي الذين يشربون الخمر هناك،
ـ أجبته بدهشة ’إسكايرين’ و إن ضربونا ،
ـ قال لا تخف سنجمع هناك بقايا السجائر كي ندخنها كما يفعل الرجال.
لم أدق يوما طعم السيجارة، و لم أفكر حتى في التدخين أبدا، تابعت أصدقائي حتى وصلنا إلى ذلك المكان المشؤوم و الذي قبل الوصول إليه تستقبلك نوعا من الرائحة الغير المعتادة، رائحة كريهة نوعا ما، و داخل هذا المكان الكبير، و الذي ترجع ملكيته إلى يهودي حسب أقوال أصدقائي. ليس هناك الكثير من الناس الجالسين على الطاولات، ولكن هناك البعض يدخل لدقائق تم يخرج من جديد حاملا معه شيئا أما تحت معطفه أو في كيس من البلاستيك و كلما أثار انتباهي أيضا هو كثرة الضحك و الكلام الذي يسمع من بعيد، و رنين الكؤوس و القنينات و دخان السجائر الذي ملأ المكان …. هذا هو وكر المشروبات الكحولية، و هذا من مخلفات الاستعمار لهذه المدينة لهذه المدينة السلطانية. لم يكن ذلك المكان يعجبني رغم أنني أفعل ما يقوم به أصدقائي من جمع أنصاص السجائر المرمية في كل مكان خارج هذا المحل، كدت أملأ “شكارتي”الصغيرة بهذه السجائر التي بدورها تحتوي على رائحة ، ليست بالكريهة بل أقوى من ذلك بكثير.
لاحظ رجل تواجدنا قرب هذا المكان ، فطردنا دون سبب معين ، حيث لا نقوم إلا بأعمال صبيانية ولا يهمنا من يتواجد ذاخل هذه الحظيرة لا من قريب و لا من بعيد….
ذهبنا فورا و تخلينا عن جميع هذه الأزبال، و لكن القصة لم تنتهي هنا.
وصل الوقت لكي نتفوق من جديد ، لكي نلتقي كمثل العادة في المسجد صباح الغد.
اتجهت فورا إلى المنزل، و رائحة السجائر تفوح مني ولكن كل هذا عادي بالنسبة إلي إن الخمر يباع و يشرب علانية أما التدخين ، فالسجائر تباع و تشترى حسب ظني آنذاك. إننا أطفال أبرياء كورقة بيضاء بإمكانك الكتابة عليها ما شئت قبيحا كان أو جميلا ، هكذا نحن، همنا الوحيد أكل قطعة من الخبز و الذهاب إلى المسجد و الحضور أثناء الصلاة ، و الباقي هو الخوف، الخوف من كل شيء الفقيه … أمغار…. الوالدين… رجل السلطة…. المستشفى… أما كثرة الأوامر و الاستجابة السريعة عنها و دون التفكير حتى، فمن الصعب أن تتكلم عن كل هذه الأشياء ، فلو قدر أن وقعت هذه الأمور التي أتحدث عنها إلى طبيب نفساني لفقد عقله ، ناهيك عن أطفال في مرحلة الزهور إما أن تحافظ عليها، او تفقد اوراقها و يذهب عطرها في مهب الريح.
لقد دخلت إلى المنزل، و استقبلتني والدتي بنظراتها الغريبة، ولكنني لم أترك لها الوقت لكي تسألني… بادرت بالكلام بعد جلوسي قائلا: أريد “لوقيد” أو عود الثقاب أجابتني والدتي لماذا تريده بعد ذلك قمت أمامها بإفراغ شكارتي عن آخرها ، تعجبت والدتي لهذا الأمر الخطير الذي شاهدتني أقوم به لأول مرة ، أخبرتنها بأنني أريد التدخين مثل الرجال، توقفت عن الكلام برهة ، حظرت أختي بدورها فشاهدت هذا المنظر، بدأت والدتي تمطرني بأسئلة والدم يغلي في رأسها من شدة الغضب، أما أنا فلم أتفوه بكلمة واحدة من بعد، حتي استوعبت سبب هذا الغضب المفاجئ، وكل هذه الأسئلة الموجهة إلي في آن واحد، وبعد لحظات أخبرت والدتي بالقصة من أولها حتى آخرها فعلمت أنداك أنني لا أعرف خطورة ما قمت به، وبدأت بدورها كجميع الآباء و الأمهات بالتدخل السريع لإصلاح كل شيء، و تحدثت عن التدخين و الخمر حسب معرفتها البسيطة ولكن الرسالة وصلت ، و علمت آنذاك أن ما قمت به علي تجنبه ، و لكن كيف و أنا لا أعرف ما قمت به حتى آخر المطاف.
مرت الأعوام و السنين بسرعة و لكنني لم أنسى هذه القصة ، و علمت بعد ذلك باستبدال ذلك المقر القديم الذي تباع فيه الخمور إلى جهة أخرى من المدينة، و هذا المقر الجديد فتح أبوابه كالعادة عند ” الدو السور” و على مقربة من باب تاركا حتى توفي صاحبه اليهودي ، فتم إغلاق ذلك المكان إلى يومناهذا.