وزير العدل: القضاء هو الحل تفتقد الجرأة على الجواب
بقلم زين الدين بواح
بعد الحكم الصادر على الصحفي حميد المهداوي لصالح وزير العدل عبد اللطيف وهبي ثبت هذا الأخير أن ليس كل سؤال يستحق الرد… فبعض الأسئلة تستحق “حكم قضائي” وفاتورة ضخمة من تعويضات! إذ قرر السيد الوزير، الذي من اسقط القدر كلمه الحريات من اسم وزارته بعد تعيينه، أن يرفع دعوى قضائية ضد صحفي “جرؤ” على طرح بعض الأسئلة حول تدبيره للوزارة. وبدلاً من الإجابة، جاء الرد كالصاعقة على: حكم قضائي بالسجن للصحفي وتعويض للوزير بمبلغ 150 مليون سنتيم!
لكن قبل أن تتخيلوا أن الوزير قد شعر بتشويه سمعته بسبب تلك الأسئلة، دعونا نوضح: الوزير لا يلاحق الصحفي بسبب تدبيره للوزارة، وإنما لأنه كان يشعر أن “الأسئلة” نفسها شكلت “إهانة” لشخصه الكريم! نعم، فالوزارة قد تحترم “حقوق الإنسان”، لكن في عالمنا الساخر، يبدو أن “حقوق الوزير” أولاً وأخيراً. وإذا كنت تتساءل: “لكن الوزير ليس هو المحاكَم، الصحفي هو من طرح الأسئلة!”، فالإجابة بسيطة: الوزير ليس بحاجة إلى محاكمة، بل إلى “جائزة”، ربما في فئة “أحسن وزير العدل لجوء للقضاء”.
و لنكن صريحين: فنحن لا نعارض حق الوزير في اللجوء الى القضاء كمواطن قبل ان يكون وزيرا، هذا إذا كان متضررا فعلاً من الأسئلة، لكن أن يكون الرد هو سجن الصحفي وتعويض الوزير ب 150 مليون سنتيم، فهذا “أكثر من اللازم”.
ولكن الامر الذي يثير الاستغراب حقا وانه نادر ما نجد صحافيا في المغرب استطاع الانتصار على الدولة أو على أي وزير. لان القضاء المغربي يتسم بذكاء استثنائي في تكييف الأحكام لصالح أصحاب السلطة، وهكذا فإن الصحفي الذي يحاول أن يطرح الأسئلة حول أداء الحكومة أو أي وزير يصبح عادةً في وضعية “الخاسر”. وعندما تضاف النيابة العامة إلى المعادلة، يصبح الأمر أقرب إلى “حكم بالإعدام على كل محاولة للشفافية”.
أما عن المجلس الوطني للصحافة، الذي يفترض أنه الحامي الأول للصحفيين، فبينما الجميع يشاهد هذا العرض القضائي المثير، هو في مكان آخر يتأمل في الوجود . فلا تصريح، و لا بيان، لا شيء! ربما لأن المجلس لا يتدخل في “الأسئلة الصغيرة” مثل تلك التي تطرح حول تدبير الوزارات. أو ربما لأن صحفيًا واحدًا لا يستحق أن يتكبد المجلس عناء الدفاع عنه، ما دام الوزير قد حصل على حكم قضائي وسجن صحفي، فهو ربما في نظرهم “فائزٌ في معركة العدالة”.
وطبعاً، لن ننسى نقابات الصحفيين، التي تشاهد المشهد بصمت تام. إنها مشهدية فنية مذهلة تُعرض على مسرح محاكمات حرية التعبير، لكنهم يفضلون أن “يحتفظوا” بمواقفهم للمناسبات الأكثر “تقديراً”. في النهاية، لعلَّ الصحفي هو الذي لا يعرف كيف يدير حساباته بشكل صحيح ليحصل على دفاع حقيقي!
وفي الختام، لو كانت العدالة تعني محاكمة الأسئلة وإغلاق الفم مقابل 150 مليون، فربما يكون المغرب هو الدولة الوحيدة التي يلتزم فيها المواطنون الصمت لمجرد التفكير في طرح سؤال.