هل كان جدي من جبل إغود؟
ع.بوشطارت
من علامات التخلف ومظاهر التأخر الحضاري والمعرفي للأمم هو عدم عنايتها بتاريخها والتنقيب على كنوزه والافتخار بالمستجدات العلمية المكتشفة، لما لذلك من أهمية بالغة في توطيد الهوية والشخصية الوطنية للشعوب، أفراد وجماعات، كما ان فضل ذلك كبير وعظيم من الناحية العلمية.
المغرب بلد طالما يتغذى من التاريخ لإنعاش مشروعية الحكام وتبرير شرعيتهم في الاستمرارية والحكم. والمغرب بلد تاريخي لا شك في ذلك. ولكن بقدرما تلتجأ الدولة إلى التاريخ للتباهي بجذورها التسلطية وبمشروعيتها واحقيتها في الحكم، بقدرما تخاف من التاريخ خوفا شديدا، فنظام الحكم في المغرب لا يتعامل مع الماضي إلا عن طريق الانتقاء لما يخدم مصالحه السياسية والتحكمية، وبالطريقة التي يتم بها تسييس التاريخ هي نفسها التي يتم بها أسطرته، من خلال ما يعرف الأساطير المؤسسة.
المعروف ك لن تسطتيع ان تقف أمام العلم ولو لحظة قصيرة قصر رمشة العين…هكذا نتابع كيف انهارت أساطير عديدة أمام الأبحاث والاكتشافات العلمية التي تحققت مؤخرا بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي..
بعد اكتشاف عمر الإنسان العاقل بجبل اغود باحواز مراكش، والذي اعتبره العلماء اقدم إنسان على وجه البسيطة وحقق رقما قياسيا في هذا الإطار بعمر ناهز 300 ألف سنة، بعد النقاشات التي صاحبت هذا الاكتشاف العظيم والمبهر خرج مدير معهد الآثار بالمغرب بتصريح يقول فيه ان هذا الإنسان العاقل لا يتحدث لا الامازيغية ولا العربية..وهذا تصريح غير علمي ولا مصداقية له ويخدش قيمة صاحبه والمؤسسة التي ينتمي لها. لست متخصصا في علوم مثل هذه للخوض حول تاريخ اللسانيات القديمة جدا للانسان العاقل الذي عاش قبل 300 ألف سنة ونفس الشيء لمدير المعهد مادام أنه لم تنجز بعد دراسات متخصصة ودقيقة في هذا الشأن.
أريد ان أتساءل صاحب هذا التصريح حول الأسباب الخفية التي جعلته يقحم بشكل تعسفي وغير علمي اللغة العربية في الموضوع؟ ما هو هدفه في هذا التصريح؟ الأجدر به ان يقول مثلا ان ذلك الإنسان العاقل في جبل إغود لا يتحدث اللغة الامازيغية وأن يقول ربما او من الراجح أنه لا يتحدث الامازيغية، وسيكون تصريحه محترما ورزينا. حيث نحن لا نعلم أنه يتحدث الامازيغية او نريد ان يتحدثها ” بزيز”. ولكن ان يقحم العربية فهذا تصريح سياسي يشوش على العلم والبحث والتنقيب ويحتقر الذكاء. لإنه بكل بساطة الجميع يعرف متى ظهرت اللغة العربية ؟ وأين ظهرت اللغة العربية، كما هو معروف أصل اللغة العربية …كما هو مؤكد تأكيد لاريب فيه متى دخلت اللغة العربية إلى شمال افريقيا وإلى المغرب وإلى جبل إغود. .يعني من حق السيد المدير أن يشك في لغة الإنسان العاقل، ولكن ليس من حقه ان يموه الناس والرأي العام الوطني والدولي لهذا الكلام الخرافي…واقحام العربية في زماكان هي بعيدة عنه كل البعد.
ربما هذا التصريح جاء لتخفيف الألم على الذين يزعجهم التاريخ الأمازيغي القديم للمغرب، الذين يكرسون أسطورة 12 قرن لتاريخ الدولة المغربية، والذين يقتاتون من النسب الشريف وشجرات الأنساب، وربطوا أصول كافة المغاربة بالأصل المشرقي القريشي، حتى نكاد لا نجد منزلا في أعلى قمم الجبال والصحاري وتخوم الواحات النائية إلا ويعلقون على جدران بيوتهم شجرات النسب الوهمي إلى الرسول، ويدعون أنهم شرفاء.
بدأ البعض يقول في الندوات والمجالس العلمية ان الأمازيغ ليس هم السكان الاصليون للمغرب، بدأ في نشر هذا الكلام الأمير هشام العلوي من أم لبنانية، وتبعه الانثروبولوجي المحترم عبدالله حمودي الذي يريد ان يؤصل لهذه النظرية، ويؤسس لهوية “العروبية” لمواجهة مد الحركة الامازيغية، وذلك في كتابه الأخير.” الهوية والحداثة”..ولكن بعد قراءتنا للكتاب يتضح ان سي حمودي يريد الدفاع عن شيء أصلا هو بنفسه غير مقتنع به، لأنه يفتقد للمنهج العلمي. وهو الذي درس طقوس الاضحية وخطاطة الشيخ والمريد فلم يجد أسسها وثقافتها إلا في المجتمع الأمازيغي لأنه هو الذي يعبر عن أصالة وقدم وتجدر التاريخ.
ولذلك فالإنسان العاقل المكتشف في ادار اغودان جبل إغود هو جدي ليس الجد الوهمي ولكن الحقيقي كما تؤكده جمجمته واسنانه. وبذلك يحق لنا ان نسمي المغاربة جميعا ب ايت ايغود.
حتى ان جمجمتي تشبه كثيرا جمجمة إنسان إغود.