مقاطعة الشعب المغربي لبعض البضائع التجارية مثل الحليب وقنينات مياه الشرب تتطلب من كل فرد أن يفكر فيها ويعطيها من العناية ماتستحقه، وفِي هذا النص نتناول هذا النًوع من المقاطعة ونقول بأنه أولا يذكر بتاريخ مقاطعة بعض البضائع مثل السجائر التي استعملتها المقاًومة الشعبية بالدار البيضاء لمحاربة الاحتلال الفرنسي خلال سنوات 1953-1954، ومقاطعة شراء حيوانات الذبح في عيد الأضحى التي مورست بالمغرب أثناء فترة الإستعمار الفرنسي أو خلال بعض سنوات حكم الحسن الثاني، ومقاطعة الإنتخابات التي مورست خلال فترات الإنتخابات التي عرفها المغرب منذ سنة 1962 فتكون هذه المقاطعة بذلك تتوفر على تجارب وأصولً تاريخية، وهي ميزتها الأولى.
وميزتها الثانية أنها تظهر بالمغرب عندما يشتد الضغط والقمع والظلم من طرف الحكام، كما تظهر المقاطعة كوسيلة للكفاح الشعبي عندما تضعف المعارضة الحزبية والنقابية وبقية الوسائط السياسية والإدارية التي تحاور الشعب. وميزتها الثالثة أنها ليست مقاطعة حزبية ولا نقابية، وتصنف بذلك كتكملة لما يعرف منذ سنة 2016 بالحراك الشعبي الذي انطلق بالريف وانتشر في مناطق أخرى كجرادة وغيرها.
والمقاطعة الشعبية المغربية هي أسلوب ومرحلة متقدمة من الحراك الشعبي الذي يصعب حصاره وقطعه من جذوره لأنه لا ينتمي الى الدكاكين السياسية والنقابية، لان احدا من تلك الدكاكين لم يطلقه في بدايته، بل انطلق من الشعب الذي سماه رئيس الحكومة ب “المجهولين “عندما امتنع عن الحديث عنه، والمجهولين هم من لاتمثلهم الوسائط السياسية والنقابية المأجورة، والحقيقة أن من أطلقوه ليسوا مجهولين بل معروفين عبر وسائل الإعلام الإلكترونية، وقد حاولت بعض جيوب الدكاكين السياسية الصغيرة ان تركب على المقاطعة لتكون واسطة بينها وبين الدكاكين الكبيرة لكنها التجأت الى الأساليب التقليدية التي تعرف بالتهافت على استعراض الشعارات في الشوارع قصد فضح المقاطعة وتحويلها الى مجرد استعراض نفس الوجوه التي تنتظر مثل هذه المناسبات لتظهر وكأنها منظمة للمقاطعة، لكن الحكومةتوجهت مباشرة الى تهديد مصادر المقاطعة التي تعبر عن نفسها في وسائل الإعلام الإلكترونية بعد أن عاش الشعب تطويق الريفيينً وسكّان جرادة واعتقالهم لأنهم عبروا عن مطالبهم في الشوارع والساحات العمومية.
وهنا تظهر الميزة الرابعة لحراك المقاطعة وهي تجنيب المحتجين خطر الإعتقال والضرب بالشوارع والساحات العمومية، وحصل هذا الحراك الجديد على نتائج إيجابية تتجلى في التجاوب الشعبي معه، ووصل تأثيره الى دفع الأجهزة المخزنية كلها وبدون استثناء، ولَم يتوقف الحراك ولَم تسند مهمة القضاء عليه الى السلطات الأمنية التي تطوق الشوارع وتضرب وتقود الى السجون لأن المقاطعة خارج نطاق الشوارع والساحات العمومية، ويمكن أن يتطًور الى مقاطعة واسعة تشمل جوانب أخرى غير البضائع التجارية لتصبح مقاطعة مرافق أخرى أكثر أهمية من الحليب وماء الشرب.
وهنا تظهر الميزة الخامسة للحراك وهي أنه قابل للتطور، ومنيع من الحصار والتطويق وغير قابل لسيطرة سماسرة شراءالضمائر..