Atigmedia
المصداقية والدقة في الخبر

مصطفى مانوزي : يوميات حبس اختياري ، حلقة استثنائية مع وفاة اليوسفي .

عندما توفي المناضل ابراهيم السرفاتي اتصلت بابنه علي موريس السرفاتي وقدمت له تعازي الحارة باسمي الشخصي ونيابة عن المنتدى المغربي من أجل الحقيقةوالإنصاف، وسألته عن مكان الدفن ، ثم بعدها تواصلت مع الأخ محمد حسين المدير التنفيذي للمنتدى ، وتوافقنا على تحرير رسالة نعي وتعزية ، مع تعبئة المناضلين والمناضلات اعضاء المنتدى وغيرهم من الرفاق والرفيقات ، ونشرت على جداري التواصلي التعزية وزمان ومكان الدفن . كنت في عين المكان قبل الموعد حاملا معي آلة التصوير ، وثقت لحظات الوداع الأخيرة وتمايز الجنازات ، وحرصت ، قدر المستطاع ، على تقديم التعازي إلى جميع من حضر من بين قدماء نزلاء السجن المركزي ، دون تمييز ، وغيرهم من المناضلين المقربين من الفقيد أبراهام السرفاتي ، فاللحظة كانت إنسانية بإمتياز ، قمنا بالواجب ، وانصرفنا ولم تفارق ذهني لحظة الدفن والطقس المرافق ، فهي تذكرني بطفولتي بدرب الإنجليز وبالضبط بمعارة المدينة (مقبرة عبرية ) تقع خلف البحيرة الجديدة بدرب بوطويل . غادرنا المقبرة على إيقاع نشيد ” لنا يا رفاق لقاء غدا …” ردده بعض قدماء رفاق الفقيد تذكيرا بالمشترك الذي كان … والذي لا زال ينتظر الموعد المنشود واللقاء الموعود . ويوم أمس حالت طوارئ الحجر الصحي دون أن أعاين الحضور وأقرأ خريطتها إنسانيا وسياسيا ، وهو حرمان موضوعي قاهر ، لكن الإيجابي فيه أنه حصل شبه إجماع حول حزن شديد انتاب المجتمع السياسي والحقوقي بمختلف أطيافه ، اللهم بعض الشذوذ الذي يؤكد القاعدة ، بمثابة استثتاء على خريطة الإجماع الوطني . فقد تم تبادل العزاء المشترك وتم التعبير عن الأسى والحداد من خلال شهادات تتراوح بين الإعتراف والإنصاف ، ومع ذلك فالحالات الشاذة التي كانت تصم مسار الفقيد بكل استخفاف ، كانت ذاتية وتروم تبخيس تضحيات وعطاء ونزاهة المناضل القدوة ، مختزلة خطاياه وزلاته في مغامرة ولوج تجربة التناوب والتي لا يمكن الحكم عليها من خلال شوطها الأول فحسب ، والحال أن اليوسفي كان صريحا وعن وعي بأنه لا يوجد أي تأمين في السياسة .
لنعد إلى حملة التضامن التي كانت عفوية وتلقائية ؛فإنه لوحظ و يلاحظ بأن كل شهادة قدمت في حق الفقيد عبد الرحمان اليوسفي لن تكون مفيدة إلا إذا استخلصنا منها الدروس كنبراس ينير الطريق والآفاق . والمهم في تجربته أنه عزز ثقافة حقوق الإنسان في الوقت الذي كانت فيه ، في نظر البعض مجرد سلوك بورجوازي صغير ، من جهة ؛ ومن جهة أخرى نجح في أن يكرس واقعية فكر التسوية وتفعيله بمأسسته دستوريا عن طريق المشاركة في تدبير الشأن الحكومي ، متجاوزا صيغ الكولسة التقليدية والفوقية والسرية ، مخاطرا بسمعته ، فإن كان مخطئا فالخطأ في الممارسة ولم يمس المبدأ ، مادام الحزب الذي يرأسه اختار منذ المؤتمر الوطني الرابع هذه الإستراتيجيا ، ناهيك عن كون المجاهد تسلم القيادة برواسبها التنظيمية وتيهها الفكري ، من الفقيد عبد الرحيم بوعبيد ، مهندس التسويات المصيرية ، وبعد أن انفسخ عقد الثقة بين هذا الأخير والراحل الحسن الثاني ، إثر التوتر الذي طال العلاقة بينهما منذ قضية الإستفتاء والتي بسببها أعتقل الفقيد بوعبيد ورفاقه في المكتب السياسي سنة 1981 . رغم أن الأسباب غير المباشرة والحقيقية لم يعلن عنها ، وتلك قصة يلفها التكتم والغموض ، لها جذور في الماضي والسوابق القضائية لأطراف الصراع ، وكل ما يمكن التصريح به والتأكيد ، في انتظار استجلاء وجلاء الحقيقة ، هو أنه لا تماثل بين البشر ، سواء بين العهدين أو الملكين وكذا بين الزعيمين القائدين الإتحاديين أوحتى سياقات وتطورات موازين القوى ، غير أن المشترك بين الجميع هو الإستمرارية في ظل نفس الإزدواجيات والثنائيات ، فهل يمكن تصور تداول ديموقراطي للسلطة بديلا عن التناوب التوافقي ؛ وفق استراتيجيا النضال الديموقراطي ، كما هندسها عمر بنجلون ، دون التفكير في مقتضيات ومراجعات كانت تروم التخلي عن الإخيار الثوري مقابل تقويض جواهر الحكم الفردي التقليداني و دون تمثل وتبني الخيار الديموقراطي في سياق دولة ديموقراطية حداثية ؟

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.