مصطفى المانوزي يكتب : في الحاجة إلى قيادة فكرية بدل ضباط في السياسة .
عاد بنا الخطاب الاعلامي المشحون برد فعل سياسوي، يتعمد تناسي التاريخ وعبره ودروسه، وتعود جميع التيارات المحافظة السلفية والأصولية الى رفع سيف، نحثت عليه عبارة ” عود على بدء، إن عدتم عدنا “، ولا يسعنا إلا نرحب بأي نقاش منتج وخالص من أي ترهيب او ترغيب، ونستلهم من تجربتنا المتواضعة، أكثر من خمسين سنة من المغامرة والتجريبية والإنتظارية ، يعود هذا الماضي بشكل هستيري لكي يشوش على الآفاق والتأمل فيها ، لذا فإن أجود نقاش ،وربما أصدقه، الذي يقع على مسافة كبيرة جدا مع المواعيد الانتخابية والمحطات الحزبية، رغم أن وزارة كل الشؤون، العامة والداخلية وغيرها عادت إلى عادتها القديمة ، تمارس وصايتها عوض رقابتها ، بعلة أن كورونا هم عظيم وشأن خاص وحكر على الدولة دون السياسة العمومية ، حيث على المنتخبين العناية بمقاعدهم وتجديد نفسهم الانتخابي ؛ فلنستغل الفرصة ونطرح سؤالا مركزيا : من أجل تفعيل مشاريعها المجتمعية ،حاجة الوطن للأحزاب الدمقراطية ؟ حاجة المجتمع إليها ؟ حاجة الدولة لها ؟حاجة الأحزاب الدمقراطية للدولة و للمجتمع ؟ هل يغني التعاقد مع الملك عن الباقي ؟
تأتي أهمية هاته الأسئلة إثر كل كبوة مبتذلة وعبثية ، فعلى هامش بعض تداعيات الحركية الاجتماعية كنت أعتقد أن الغيورين على الوطن الديموقراطي سيمارسون قانون نفي النفي ، لكن يبدو أن هناك مخططا من أهم مظاهره تركيز بعض الأقلام والتصريحات على فقاعة “لدكاكين السياسية ” وتروم تبخيس العمل الحزبي مقابل نشدان وساطة المؤسسة الملكية أو تحكيمها لا فرق ، وعلى الخصوص المرتبط بهيئات سياسية منحدرة من الحركة ، الوطنية بهدف إبراز بدائل سياسية لا تعترف بالتنظيم والإنضباط والدمقراطية التمثيلية الوسيطة، وذكرني بما جرى في بداية السبعينيات ، عندما رفع شعار ” لا رب ولا سيد”، والذي تبنته تيارات شبابية تغترف بعضا من مبادئها من نظرية وثقافة الشيوعية الجذرية والإشتراكية الفوضوية، وإن كان الفرق شاسعا بين تلك التجربة وبين ما يجري حاليا ، لكون سياق اليوم يتغذى من ثقافة إنتهازية يمينية محافظة ، تؤسس لنظرية” كم من حاجة قضيناها بتركها”، لا تعترف سوى بالعالم الأُخروي، فأما الحياة الدنيا فمجرد “لهو وعبث ” . ليبقى وجه التشابه والإشتباه هما عودة الإيديولوجيا بقوة ، مؤطرة بالفكر السحري والأسطوري والأريسطي معا ، تروم بناء سلام “عادل” بين الأصوليات ، تقدس الإقتصاد السياسي المفعم بتجارة الخرافة والدين ، تحت يافطة وديماغوجيا تبجيل قيم الحرية ، حرية تنقل الإشاعة والبضاعة والخدمات والمبادرات وحرية تملك واحتكار ، سلطتي المال والإستغلال ؛ مع الحفاظ على الطابع الإحساني / الخيري للمسؤولية الإجتماعية ؛ ليتأكد إذن ، بنسبية طبعا ، على أن القائمين ومهندسي إنقاذ وتجديد المنظومة الرأسمالية يراهنون على استئصال كل ما له علاقة بالذاكرة الكفاحية والتحررية ، المناهضة للإستعمار ، أو ما له علاقة بالنضال الشبابي العالمي ، أو الحركة العمالية والثورات الثقافية ، وهذا يتجلى في تمثل بعض الرواد و الزعماء “لمنطق” لا رب ولا سيد” ولكن بنفحة تستهدف أركان التفكير النقدي وسيادة العقل والعقلانية ، بذريعة وعلة أن كل ما هو جمعي كلياني وشمولي، حيث تتماهى مشاعة الحرية مع شيوعية التحرر من الضوابط ، ليكون معيار الأخلاق هو الأساس ، بمعنى أن الفساد هو سبب الإستبداد وليس العكس، هذا الفساد الذي يحتاج فقط الى حراك وقتي لتصحيح الأمور، يحتاج الى تخليق وعصيان سلمي، إلى قوة ناعمة تغلف عنفا لفظيا وقتلا رمزيا بطيئا لقيم التنوير والتغيير، بدل تبني استراتيجيا الصراع الاجتماعي والسياسي والقانوني ، الكفيل ، فريدا ، بتقويم الدولة دمقراطيا . من هنا فالقضاء على الاستبداد لا يعني في نظر دعاة التمرد ، في عصرنا، سوى هد أركان الرأسمالية المتوحشة، بكفاية مناهضة الريع والفساد ، دون المساس بالجوهر، وحتى ولو شاءت الأقدار بثورة على الوضع فلن يحصل سوى إنقلاب على الأشخاص دون النظام، وذلك باستيراد “دمقراطية “الخارج والخوارج، دمقراطية لا علاقة لها بخيارات الحركة التقدمية المغربية المهددة بالإستهداف والإستئصال بمعناه الانطولوجي ، ليس فقط في مشروعها الدمقراطي ولكن بالأساس في شرط دمقراطية نضالها الاستراتيجي الذي يراد أن يختزل في الوكالة الانتخابية المأسوفعلى مصيرها أيضا ، لأن الدمقراطية اللبرالية / البورجوازية ، وعلى علتها ومحدودية وقعها الحقوقي، ينبغي ان يكون لها نساؤها ورجالها متشبعين بالوطنية والمواطنة ، وإرادة التحرر من العولمة المتوحشة المغذية للفكر الوهابي والإخواني والشيعي حتى فما هي إمكانيات استدراك الموقف والزمن بتجديد التصورات والخيارات بأفق تقدمي ودمقراطي .
لقد ولى زمن التضامن ورصد الانتهاكات ، زمن كفى المؤمنين بالتغيير شر النضال . و بعيدا عن منطق عدالة المهيمنين اقتصاديا والمسيطرين سياسيا ، علينا محاولة بسط ووضع قصة هيبة الدولة على محك التقييم والتقويم ، فالهيبة دائما نسبية جدا ، فالوطنيون تنازلوا عن أولوية الاستقلال الشكلي مقابل عودة رمز السيادة في شخص الملك بن يوسف الذي كان سلطانا ؛ ولأن التاريخ الوطني مجرد تسويات ؛ على الجميع عدم الإغترار بالتعاقدات القديمة ، التي كانت تفرز شرعيات معينة ، ولنفكر في كيفية تفعيل كل الإلتزامات والضمانات القانونية والتعاقدية التي دسترت ضمن وثيقة فاتح يوليوز 2011 ، على حالتها أو علتها ، ونطرح سؤال يبدو إنه شبه وجودي: ألم يحن الوقت لإبرام بعض التنازلات التبادلية الإيجابية من قبيل رد الإعتبار للعمل الحزبي المستقل والمنتج لإرهاصات البناء الدمقراطي المؤجل منذئذ ؟ ولنبدأ من مصالحات بينية داخل الصف التقدمي وأيضا داخل مربع التحالف الطبقي الحاكم .