في جنوب قطاع غزة طوابير أمام الحمامات: “إما الاستحمام وإما الشرب”
في رفح في جنوب قطاع غزة التي لجأ اليها آلاف من الفلسطينيين من شمال القطاع، بات من المتعذر إيجاد مواد غذائية وسلع أساسية، لكن ما يؤلم أحمد حميد أكثر هو “أننا لم نستحم منذ أيام، بل إن دخول الحمام يتطلب انتظار دور في طابور”.
لجأ أحمد حميد (43 عاما) مع زوجته وسبعة من أبنائه قبل أيام من حي النصر في مدينة غزة الى رفح بعد إنذار من الجيش الإسرائيلي الى المدنيين بالتوجه جنوبا “لحماية أنفسهم”، بينما تجري استعدادات لعملية “نوعية” ضد حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة.
ويقول بأسى لوكالة فرانس برس “لا يوجد طعام. جميع السلع غير متوافرة، والموجود أسعاره ارتفعت جدا. كل ما نجده معلبات وتونة وجبن”.
ثم يضيف “أشعر بأنني عبء وعاجز عن القيام بشيء”.
وشاهد صحافيون في وكالة فرانس برس آلاف الأشخاص على الطرق وفي رفح وخان يونس، يفترشون حدائق المستشفيات ومدارس الأونروا أو ينزلون لدى أقارب، مع عائلات تتكدس في شقق ضيقة أو تستضيف أشخاصا تتجاوز سعتها بكثير.
وأطلقت حماس في السابع من أكتوبر عملية “طوفان الأقصى” التي توغ ل خلالها مقاتلوها في مناطق إسرائيلية بحرا وبرا وجوا، بالتزامن مع إطلاق آلاف الصواريخ في اتجاه إسرائيل. ودخلوا مواقع عسكرية وتجمعات سكنية وقتلوا أشخاصا، وأسروا 155 آخرين، وفق الجيش الإسرائيلي.
وبلغ عدد القتلى في الجانب الإسرائيلي أكثر من 1400 منذ الهجوم.
وترد إسرائيل بقصف عنيف ومكثف لقطاع غزة أوقع حتى الآن 2670 قتيلا. كما شددت إسرائيل الحصار على قطاع غزة، وقطعت إمدادات المياه والكهرباء. وأعلنت الأحد استئناف إمداد جنوب قطاع غزة بالمياه بناء على اتفاق بين رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو والرئيس الأميركي جو بايدن.
وأكدت بلدية بني سهيلا أنه تم استئناف ضخ المياه، لكن لم يتم التأكد بعد من عودتها الى كل مناطق الجنوب.
وغادرت منى عبد الحميد (55 عاما) بيتها في غرب مدينة غزة بهدف أن تنزل في منزل أقارب لها في رفح، لكنها وجدت نفسها ضيفة في منزل أناس لا تعرفهم.
وتقول “أشعر بذل وحرج. أنا أبحث عن مأوى. لا يوجد معنا كثير من الملابس وأغلبها أصبح متسخا ولا توجد مياه للغسيل”.
وتضيف “لا كهرباء ولا مياه ولا إنترنت، أشعر أنني أفقد آدميتي”.
وتقيم صباح مصبح (50 عاما) مع زوجها وابنتها وأقارب آخرين يبلغ عددهم 21 شخصا، منذ الجمعة، في منزل أصدقاء في رفح.
وتقول “أسوأ وأخطر شيء أننا لا نجد الماء. لا أحد فينا يستحم لأن المياه شحيحة”.
في خان يونس، قرب مدرسة للأونروا، يقول عاصم (23 عاما) الذي قد م نفسه باسمه الأول فقط، “استقبلنا (في منزلنا) ضيوفا نزحوا من منطقة غزة وحي الرمال وتل الهوى”، لكن “المياه مشكلة”.
ويضيف “كل يوم نفكر كيف نوفر المياه… لو قمنا بالاستحمام، لن نشرب المياه”.
كذلك يفتقر النازحون الذين ملأوا المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) الى الماء والطعام.
وقالت مديرة التواصل في الأونروا جولييت توما الأحد لوكالة فرانس برس إن “ما يقدر بنحو مليون شخص نزحوا في الأيام السبعة الأولى” من التصعيد الدامي بين الجانبين.
وكانت الأمم المتحدة حذرت من أن قرار إخلاء مدينة غزة سيطال 1,1 مليون شخص، ما يرتب تبعات “مدمرة”.
ورغم توجه عشرات آلاف الأشخاص الى الجنوب، لم يوقف الجيش الإسرائيلي استهدافه مناطق فيه بالغارات. وتعرضت اليوم رفح وخان يونس للقصف.
ويقول علاء الهمص وهو يشير إلى آثار قصف في أحد أحياء مدينة رفح، “انظر إلى الدمار الهائل. يد عون أن هناك إرهابا هنا. أين الإنسانية التي يتحدثون عنها (..) وحقوق الإنسان؟ الجميع مدنيون هنا لا علاقة لهم بأي تنظيم، لكنهم ماتوا… لم يبق أحد على قيد الحياة”.
أما سميرة كساب فتقف على أنقاض منزلها في رفح، وتتساءل “أين سنذهب؟ أين الدول العربية؟ قضينا عمرنا في الشتات. منزلنا الذي يأوي كل أولادي قصف… نمنا في الشارع ولم يبق شيء”.
وتضيف “نحن عزل، ابنتي مريضة بالسرطان، ولا أستطيع أن أذهب بها إلى المستشفى، وأنا أعاني من الضغط والسكر”.
لكنها تعود وترفع شارة النصر، وتقول بينما أحفادها الى جانبها، “لن أغادر مهما حصل حتى لو مت، نشحذ الخبز من الجيران، لكن لن نفرط بحبة رمل”.