فلسطين: أزيد من 75 سنة من الصمود و المقاومة و الشهامة بمثابة الإطار الطبيعي لمناهضة الاستعمار و الاحتلال.
المحور الاول
بقلم فادي بنعدي/بروكسيل
تقديم:
تخليدا للذكرى 75 للنكبة، توصلنا بقراءة مهمة من الاستاذ فادي بنعدي، فاعل جمعوي و حقوقي مقيم في بروكسيل، مهتم بالشأن العربي و الدولي و مدافع شرس عن القضايا العادلة، سواء على المستوى المحافل الدولية، العربية و الوطنية بحكم مجال تخصصه و تجربته الحافلة لسنوات طويلة داخل العديد من الاطارات الجماهيرية و المنظمات المناضلة، وطنيا، عربيا و دوليا.
هذه القراءة التي سننشرها في ثلاثة محاور:
المحور الأول : الاطار الطبيعي لمناهضة الاستعمار و الاحتلال
المحور الثاني : مستويات الحركة الاستعمارية و تطورها
المحور الثالث : مقاومة الجماهير الشعبية في المنطقة العربية و التحول التكتيكي و الاستعماري.
هذه المحاور هي عبارة عن خطوط عريضة مركزة لقضيانا المصيرية عبر قضيتنا المركزية، القضية الفلسطينية، فهي ليست مصيرية ومركزية بالنسبة للشعب الفلسطيني فقط، وإنما هي قضية مصيرية لكل الشعوب التواقة للحرية والسلام. ومن هذا المنطلق فهي ليست خاصة بالشعب الفلسطيني فهي تعني كل شعوب العالم، فبالأحرى أن تكون عربية أو اسلامية أو مسيحية أو يهودية او ذات هوية قومية او دينية. ومركزيتها تتجلى في أنها الخط الفاصل في إنسانيتنا.
وهذه القراءة ترتكز على عناصر مبدئية أساسية، ولا تخوض في تفاصيلها وما يحيط بها من اعتبارات أو ملابسات، محيلا ذلك على المستوى الأكاديمي الصرف، حيث من الضروري تناولها بموضوعية وبوضوح في شموليتها.
الإطار الطبيعي لمناهضة الاستعمار والاحتلال
إن قضية الاستعمار والاحتلال وإبادة شعب وسلب حقوقه الكونية، تشجبها كل القوانين المتعارف عليها. فالشعب الفلسطيني الذي لا يحسد على واقعه وموقعه، يتصدر واجهة الصمود والمقاومة على الأقل منذ سنة 1948، أي أزيد من 75 سنة، من أجل إنهاء الاستعمار والاحتلال والاستيطان بحثا عن العيش الكريم في أمان وسلام.
لذا يجب اعتبار القضية الفلسطينية، قضية كل الشعوب وكل انسان، حتى لا تنحصر في المستوى الضيق للتضامن والتآخي مع الشعب الفلسطيني. من المفروض رفعها إلى مستوى قضية مصيرية تعني كل شعوب العالم وكل إنسان في مناهضة الصهيونية والعنصرية والميز العنصري والفاشية والرأسمال الإمبريالي وحلفائهم.
الاستعمار الذي نحن بصدد تشريحه ومواجهته، هو عقيدة عنصرية تبرر احتلال أراضي الغير وبسط سيادتها على الساكنة الأصلية والهيمنة السياسية عليها واستغلال مواردها الطبيعية والبشرية. حيث تقدم نفسها تحت فكرة “المهمة الحضارية” و “التفوق الحضاري” وغيرها من العناوين العنصرية والمهينة للإنسانية وقد تبرر احتلال أراض الغير، بالقوة والنار، باعتبارها بدون مالك أو غير منظمة في شكل دولة كأسلوب قانوني. وتتجسد ممارستها في إنشاء إدارة سياسية وعسكرية واقتصادية لهذه الأراضي، ودحر التنظيم الاجتماعي القائم بتوجيه من المركز الاستعماري.
إن مناهضة الاستعمار والاستيطان والاحتلال، قضية مركزية للشعوب والإنسانية. تتجاوز المبدأ الإنساني والأممي الذي يتجلى في حق تقرير مصير شعب وبناء دولته على ترابه المحتل والعيش عليه بكرامة وبكامل انسانيته. ومن هذا المنحى، تصبح قضية الشعب الفلسطيني، القلب النابض لكفاح الشعوب، من أجل السلم والسلام والتآخي بين الشعوب. ويصبح مبدأ استرجاع الإنسانية إنسانيتها، مرتبطا ارتباطا عضويا باسترجاع الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة.
إن التكالب الاستعماري الرأسمالي الإمبريالي الصهيوني الإقطاعي والرجعي العربي من أجل مصالحهم على حساب الشعب الفلسطيني لا يمكن مواجهته إلا ببناء جبهة أممية مضادة من الشعوب التواقة للحرية والكرامة والسلام والحركات التحررية بكل أصنافها. وأعتبرها من المهام الاستراتيجية الملقاة على عاتق الانسان والانسانية.
مناهضة الاستعمار والاحتلال قضية مصيرية
إن خاصية القضية الفلسطينية كقضية مصيرية للإنسانية جمعاء ولكل الشعوب التواقة للحرية والسلام، تكمن في أنها ليست وليدة اليوم. إن القضية الفلسطينية هي قضية استعمار واستيطان واحتلال جاءت لتلبي حاجيات استعمارية تستهدف الهيمنة على المنطقة بكاملها ومن وراء ذلك استغلال خيراتها وشعوبها، كما كان الحال في القارتين الأمريكية وأستراليا التي تم ابادة شعوبها الأصليين واستبدالهم بخليط أوربي ووضع رهن رحمتهم ساكنة إفريقية تم تهجيرها بالحديد والنار والزج بها في نظام عبودي.
ونفس الوضع تم انشائه في إفريقيا وآسيا، فالنهج الرأسمالي الإمبريالي الاستعماري هو نفسه، يتم تكيفه مع المحيط الجغرافي والثقافي. هكذا تم محاولة اعادة إبادة الشعوب الأصلية في جنوب إفريقيا والفيتنام وباءت بالفشل الذريع أمام حركة عالمية مناهضة للاستعمار والرأسمال الإمبريالي. إن استراتيجية مناهضة الاستعمار و الرأسمال الإمبريالي التي ستنهجها حركات التحرر الوطني الإفريقية الأسيوية التي انعقدت لجنتها حول الاستعمار سنة 1961 في القاهرة برئاسة الشهيد المهدي بن بركة الذي سيوسعها إلى حركات التحرر في أمريكا الجنوبية إضافة للاتحاد السوفياتي و كوبا و الصين الشعبية مهما الخلافات ما بين هؤلاء، و انتهت بعقد مؤتمر هفانا في يناير 1966 بغياب الشهيد المهدي بن بركة الذي تم اختطافه و اغتياله من طرف النظام المغربي بمساعدة الأجهزة الأمنية الفرنسية و مخابرات الكيان الصهيوني (الموساد) و أجهزة المخابرات الأمريكية (السي إ ي) في العاصمة الفرنسية يوم 29 أكتوبر 1965.
إثارة هذه المرحلة التاريخية ليس للخوض في تفاصيلها، بل للاستفادة من استراتيجيتها بما لها و ما عليها ومن توجهها الأممي مهما التحولات التي عرفها العالم منذ ذلك الوقت.
لقد تم دمج أميركا اللاتينية في المجموعة إبان المؤتمر الرابع للمنظمة الإفريقية الأسيوية المنعقد بأكرا (غانا) في ماي 1965 وحدد مؤتمره التأسيسي في هفانا بيناير 1966 وفي يوليوز تم ضمان مساعدة السوفيات والصين وحددت الأهداف التالية للمؤتمر:
- مساعدة حركات التحرر الوطني في العالم من بينها حركة التحرر الوطني الفلسطيني،
- تكثيف النضال بما فيه النضال المسلح بالقارات الثلاث،
- مساندة كوبا،
- النضال من أجل إزاحة القواعد العسكرية الأجنبية،
- مناهضة التسلح النووي و
- مناهضة نظام الأبرتايد والميز العنصري.
كان الهدف المتوخى، هو التحرير الشامل للقارات الثلاث. فالربط الجدلي لتطلعات الشعوب في التحرير وبناء الغد الأفضل في إطار السيادة الشعبية التي ستعطي ذلك الزخم النضالي التحرري لسنوات الستين والسبعين.
يتبع المحور الثاني : مستويات الحركة الاستعمارية و تطورها .
المصدر فنيكيس ميديا بروكسيل.