فاضل كيموش: أزمة قيم تربوية بقاعدة هدِّد الوزير بالقتل:

إن ما نشاهده اليوم من تفشي ظاهرة العنف المدرسي، ليس بوليد الصدفة، أم شيء من هذا القبيل، إنما هي تراكمات فيزيواجتماعية ترسخت لدى الذات الأنانية في المجتمع المغربي، فالمتمعن في تعريف النظرية السلوكية، يكتشف أنها بنيت على أساس ومعيار واقعي يتمثل في تهذيب سلوك المتعلم من جهة، وتقويم دراسي موضوعي للسلوك، لدى جميع المتعلمين من جهة ثانية، ولن يتأتى ذلك إلا عبر النظر في سلوك وتصرفات المتعلم، بكونها مجرد استجابة فورية فيزيولوجية غريزية، لمجموعة من منبهات بيئة خارجية.
ذلك أنه لا يمكن ربط هذه التصرفات بعامل الوراثة، أو الفكر أو الإرادة الذاتية للتلميذ على حد سواء. بل ما يمارسه داخل مجموعات قرائنية توفر له مجال التحدي والتمرد، يعني بشكل واضح أن كل ما يقوم به المتعلم من ردود أفعال مرتبط بتكوينات جنية استعارية، تزكي مدى قدرته على فعل أي سلوك، دون النظر إلى نتائجه ودوافع القيام به، وعليه تقاس باقي تصرفات الأقران رغم اختلاف مستوياتهم الدراسية واختلاف فضاءات الدراسة، التي ينتقل عبرها المتعلم، وتنتقل معه بذلك سلوكات وتصرفات طائشة تساهم في ترسيخ اللامبالاة الفردية كنوع من السخط ورفض الواقع الاجتماعي.
إن الاندماج الاجتماعي لدى المتعلم في الوسط المدرسي يحتاج إلى مجموعة من ضوابط وقيم تربي فيه مدى قدرته على التعلم، وقد أكدالمنظر وواضع نظرية تيريز لحل المشكلات، أن معالجة المشاكل الاجتماعية تكون عبر خلق أسس تحديد طبيعة مشاكل المتعلم وإيجاد حلول لها، لتدعم وجوده الفعلي الحقيقي داخل الفصل الدراسي، فكريا معرفيا وسلوكيا، دون إغفال اختلاف حالات المتعلمين وظروفهم الاجتماعية، التي غالبا ما تكون العائق الحقيقي في عدم قدرتهم في الإندماج. وهي بذلك عملية تحتاج إلى مراقبة وتعديل وضبط لمهارات المتعلمين وتغليبها على سلوكاتهم السيئة، عبر توظيفها في بناء الذات وخلق فرص الإدراك المعرفي لدى المتعلم، قصد فرض ذاته كحالة استثنائية توجيهية للمسار الدراسي. إنها لعب شد الحبل بين المتعلم المراهق وأطره وأسرته ومحيطه، الذين يسعون إلى جعله فردا قادرا على المساهمة في بناء المجتمع، وذلك عبر إعادة تأهيله معرفيا وسلوكيا.
وقد كان للغياب الفعلي لأهداف هذه النظريات أثر ملموس في حياة المتعلم، ليس من قبل أطر المؤسسات فحسب، بل في نمط التربية الذي نهجته الوزارة الوصية على القطاع، التي تصدر أحيانا مذكرات وقرارات يصعب جدا تكييفيها في المؤسسات التعليمية المغربية بشكل كامل وموحد، خصوصا ببعض مدن المملكة، التي تتميز بتفشي الإجرام وإزدحام السكان، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر؛ الدار البيضاء، فاس قنيطرة أكادير، مكناس والرباط… هذه المدن التي عرفت خليطا بشريا مختلف الثقافة والظروف الاجتماعية المتفاوتة، والتي عجلت بطبقية الصراع بين متعلمي مؤسسات أحيائها الشعبية. لأن كل ما نراه اليوم في محيطنا هو نتاج لصناعة الخطاب وجودة تلك الصناعة في البيت والمدرسة، والإذاعة، والشارع… ونوع القيم التي نريد أن تشيع بيننا والشكل الذي نريد أن نرى به أنفسنا وأولادنا كما جاء على لسان المكون والباحث محمد بازي في مؤلفه “صحائف التكوين”.
يعد التمويل الحقيقي للمدرسة العمومية إذن حلا حقيقيا، للنهوض بالتربية الحقة والفعالة، ومسألة تدبير الأنظمة التربوية أصبحت ضرورة حتمية للرفع من نتائج التعليم بيداغوجيا و معداتيا، وربط ذلك بنجاعة سيرورة التربية، ذلك عبر التركيز على قيمة المنتوج المقدم للمتعلم وعلاقته بالواقع اليومي لديه، وعبر التحفيز والمراقبة والتوجيه الصحيحين، والبحث المستمر في القيمة المضافة التي يحدثها المنهاج المعتمد في تربية المتعلم، من خلال مراقبة مدى تحسن مستواه ومدى قدرته على مسايرة التعلم وتكوين الذات. لأن التدبير المدرسي العقلاني يعتمد على خطط وإجراءات وأنشطة تحقق اهدافا تربوية واقعية وتساهم في التحكم في الفضاء والزمن المدرسيين.
خلاصة القول إن ما نراه اليوم من تهديد مباشر لأعلى سلطة تربوية في البلاد، من قبل تلميذ يعيش فترة المراهقة والطيش، لا يحتاج إلى هذه الزوبعة والتضخيم الإعلامي، وإصدار مذكرات اعتقال تجاهه، إنما يحتاح إلى احتضان كلي لمعرفة أسباب ارتكابه عفويا لهذا الجرم، بحكم كونه مجرد مثال بسيط مس معالي الوزير، لكنه أصبح سلوكا يوميا يتعايش معه الأساتذة والمدراء والموجهون في كل يوم، قس على ذلك تعنيف أساتذة كثر وعبر سنوات خلت، يعني أن الأمر ليس بوليد الصدفة، أن يهدد تلميذ في تعليق وزير التربية والتعليم، إنما الإشكال هنا في أزمة قيم وفراغ المحتوى الدراسي، وضرب في مصداقية المنهاج، الذي يخالف توجهات الدولة بكل مكوناتها، وكذلك مخالفة التوابث والركائز التي نص عليها دستور 2011، وكما جاء ذلك في الدعامة السادسة عشرة في مسودة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، هذه الدعامة التي تدعو الوزارة عبرها إلى تحسين التدبير العام لنظام التربية والتكوين وتقويمه المستمر، فيما معناه: إن إصلاح جوانب نظام التربية كبنيان يشد بعضه البعض يتطلب التحكم في كل المؤثرات والعوامل المتفاعلة فيه، عبر توحيد الإشراف وضبط المسؤولية والمحاسبة بوضوح.”
ويبقى السؤال مطروحا: متى ستعالج هذه الأزمة؟