سدي علي ماءالعينين : حكاية مغاربة محاصرون بالثلوج في قمم الجبال.
” جْبَالة الأحرار مايْفوتُو الدوار ولا يسمحو في الدار ”
قبل سنوات كنت في زيارة إلى منطقة اوكايمدن، دفعني حب الإستطلاع، لترك رغبة الترفيه السياحي جانبا فقمت بزيارة مدرسة بأحد الدواوير، وعاينت الظروف التي يدرس فيها التلاميذ وهم محاطون بالثلوج التي إحتلت ساحة مدرستهم الصغيرة، وكيف كان الأطفال يتناوبون على إزاحة ركام تلك الثلوج فيما باقي الأطفال يدرسون بفصولهم،
ساعتها ناشدت الذين يقومون برحلات إلى المناطق الثلجية للسياحة ان يبرمجوا زيارات إلى الدواوير محملين بكل ما يحتاجه مغاربة يعيشون عزلة في كل فصل شتاء.
في هذا المقال لن اسرد عليكم حجم معاناة ساكنة الجبال جراء نقص في حطب التدفئة، ولا الملابس، ولا المأكل والمشرب ،
كما لا مجال لتكرار جمل التعاطف مع أطفال ينقطعون عن الدراسة، ولا وفاة النساء الحوامل، ولا المسنين.
كما يصعب في هذا المقال جرد كل الإجراءات التي تقوم بها الدولة للتخفيف عن معاناة هؤلاء المغاربة ،وآلاف الآليات التي لا تكل ولا تمل من إزاحة الثلوج في المسالك و الطرقات، ولا عدد الأطباء الذين يجوبون هذه المناطق في حملات تقوم بها وزارة الصحة في كل موسم شتوي.
فهناك بالفعل معاناة حقيقية، وهناك أيضا مجهودات حكومية، ولو كانت تبدو غير كافية.
تبني خطاب اللوم والعتاب وتبخيس عمل الجهات الحكومية لن بجدي في شيئ، كما أن تمجيد ما ينجز على الميدان وغض الطرف عن معاناة الساكنة ليس من أخلاق الصحافة في شيئ،
ماهو مؤكد ان المشكل يحتاج لمقاربة جديدة أساسها معالجة الإشكال بعمليات استباقية مع تجاوز منطق الإحسان و الترقيع و الحملات الموسمية،
تقول الإحصائيات انه عبر العالم هناك مليار نسمة من ساكنة المناطق الجبلية ومعاناتهم لا تختلف كثيرا عن معاناة المغاربة رغم الإمكانيات و المخططات ،فالطبيعة لها كلمتها فوق قدرات الإنسان و الحكومات،
في المغرب ،المناطق الجبلية تغطي 178،741 مربع اي حوالي 26٪ من المساحة الإجمالية للتراب الوطني، بساكنة تتجاوز سبعة ملايين و 548 الف، أي ثلث سكان المغرب بمعدل كثافة تصل 40 فرد في الكيلومتر المربع.
والمناطق الفلاحية بالمغرب حددت في 35٪ بمساحة تفوق، 3،5 مليون هكتار بمعدل 62٪ من مجموع الغابات الطبيعية بالمغرب
ساكنة هذه المناطق متشبثة بارضها حيث تمارس فلاحتها الماشية، التباعد بين منازل الأسر المحاطة باراضيها يعد احيانا بالكيلومترات، حيث تجد الحكومة صعوبة في توفير مدارس قريبة او مستوصفات، فمن الصعب أن نضع لعائلة تتكون من أفراد محدودين مدرسة خاصة ومستوصفا،
لذلك تعتمد الدولة على مدارس جماعاتية حسب الإمكان، و ملحقات تبعد عن الدواوير ببعض الكيلومترات وتكون في الغالب بأقرب مركز وكذلك الحال في المستوصفات، هي ليست حلولا ترقيعية ولكنها الممكن في ظل وضعية الصحة والتعليم ببلادنا.
لقد كان من الممكن قبل كل فصل شتاء إخلاء هذه الدواوير هربا من حصار الثلوج التي تخرب المنازل والمسالك والطرق، لكن ساكنة هذه المناطق وحبها للأرض وتشبتها بالحياة فيها بإرادة متوارثة، لا تقبل بمثل هكذا حلول.
لذلك تلتزم ببيوتها والبقاء بدواويرها، فتستعين بحطب التدفئة الذي يصل إلى 1500 درهم للطن الواحد، فيما تحتاج كل أسرة إلى طنين على الاقل.
أما كل بهيمة من ملك الكسابة فتكلف بين 30 إلى 40 درهما يوميا.
وسائل النقل و بسبب محدودية أفراد كل تجمع للقرويين لا يمكن اعتماد النقل العمومي ،فيتم اللجوء إلى ” البيكوب ” التي تنقل المواطنين في ظروف غير إنسانية.
فعلى الرغم من محاولات السلطات المغربية التخفيف من معاناة ساكني تلك المناطق الجبلية، وإقامة بعض المستشفيات المتنقلة في بعض قراها بأمر من العاهل المغربي الملك محمد السادس في السنوات الماضية، فإن وباء كورونا هذه السنة قد عمق من مأساة السكان، لأن الأطقم الطبية مجندة بالكامل من أجل القضاء على هذه الجائحة، ولا يوجد من يلتفت إلى سكان تلك القرى والبوادي في الجبال المغربية الوعرة، التي تظل وحيدة تقاوم وتواجه مصيرها المحتوم بسبب البرد والثلوج وقلة ذات اليد، والعزلة المفروضة على هذه المناطق مع حلول فصل شتاء من كل سنة.
الحل في تقديري يحتاج لسياسات استباقية، و يحتاج لمبادرات مدنية حقيقية بعيدا عن الكاميرات و اخد تصريحات الساكنة لذغدغة المشاعر او تسجيل السبق الصحفي، أو البوز.
كلنا معنيون بقيادة حملات تطوعية في الصيف كما في الشتاء، ودفع الحكومات المغربية لوضع سياسة واقعية لمعالجة الوضع بشكل جذري بعيدا عن سياسة المناسبات.
غير ذلك سنكون كل سنة أمام نفس الوضع، ونكتب نفس المقالات ونحصي الوفيات،
هؤلاء لن يتركوا ديارهم حتى يمر الشتاء، ولن يتركوها في الصيف هربا من العقارب و الأفاعي، هؤلاء مغاربة جبلوا على حب الأرض و التشبت بها و يختارون الوفاة وهم يستنشقون تربتها ،جيلا بعد جيل.
ذاك إختيارهم، وحمايتهم تلك مسؤوليتنا،
فهل تعتبرون؟ أكادير ،يناير 2021.