رشيد بوقسيم : “سكسو” او الكسكس ليس مجرد وجبة تقليدية، بل هو رمز ثقافي عريق يعكس تنوع الهوية الأمازيغية وثرائها.
وقد لعب هذا الطبق دورا أساسيا في حياة الأمازيغ عبر التاريخ، حيث كان وما زال جزء من الحياة اليومية لسكان مناطق “تامازغا” الممتدة من غرب مصر إلى جزر الكناري ومن البحر الأبيض المتوسط إلى أعماق الصحراء الكبرى.
تنوع الكسكس يعكس الطابع الجغرافي والثقافي لكل منطقة أمازيغية. فهو يحضر بالشعير أو القمح الصلب أو الذرة، ويرافق بالخضر، أو اللحوم، أو حتى بالأسماك، كما هو الحال في المناطق الساحلية كافني وماست او جربة . وهناك أنواع فريدة مثل “بركوس”، الذي يحضر بالشعير ويقدم مع أملو، أو الكسكس النباتي بأوراق اللفت (إبرين دوساين)، أو ذلك الذي يحضر بالتين الأخضر والطماطم الكرزية ( ابرين س تكرميست د تيميطاش زبوبنين) . كل نوع يحمل معه قصة وخصوصية تعبر عن الترابط العميق بين الإنسان الأمازيغي وبيئته الطبيعية.
في عام 2020، أدرج الكسكس ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو من خلال ملف مشترك بين المغرب، الجزائر، تونس، وموريتانيا. هذا الإنجاز التاريخي أكد أن الكسكس ليس ملكا لدولة بعينها، بل هو تراث مشترك يعبر عن هوية ثقافية امازيغية. إلا أن هذا الاعتراف لم ينه الجدل السياسي بين الدول التي لا تزال تتنافس على نسب هذا الإرث إليها، مما يعكس أحيانا التحديات التي تواجه العمل المشترك بين دول المنطقة.
أمس، شهدت مدينة درانسي ضواحي العاصمة باريس حدثا مميزا بعنوان “تامغرا ن سكسو” (عيد الكسكس)، جمع أنواعا مختلفة من هذا الطبق من مناطق “تامازغا”، مثل الكسكس الجزائري، المغربي، والتونسي. النشاط من تنظيم Le Réseau Culturel Franco-Berbère، ببرنامج انيق شمل عرض فيلم عن ميلاد الكسكس الامازيغي من اخراج ماسي اوغسطين و ندوة عن فن الطهي الأمازيغي بمشاركة الباحثة الجزائرية دليلة نونوحي و الاستاذ الجامعي بجامعة ابن زهر الحسين انير بويعقوبي، تميز النشاط بحضور رئيسة البلدية وشخصيات رسمية أخرى. كما شارك الجميع ، وخاصة النساء، بشكل بارز في إنجاح هذا الحدث، الذي كان بمثابة تجربة تمهيدية لتظاهرة أكبر تهدف إلى تسليط الضوء على فن الطهي الأمازيغي وتعزيز دوره كوسيلة للتواصل الثقافي وتقريب الشعوب.
الكسكس، بما يمثله من رمزية غنية، يمكن أن يكون أكثر من مجرد وجبة. إنه دعوة للتوحد والتقارب، رمزا يعبر عن المشترك الثقافي بين شعوب تامازغا. وفي ظل الانقسامات السياسية التي تعاني منها المنطقة، يبقى الأمل في أن يتمكن هذا الطبق العريق من لعب دور في تقريب وجهات النظر وحل الخلافات، ليصبح نموذجا للوحدة التي تنشدها شعوبنا جميعا.