رشيد الا دريسي : وباء جديد … عصر جديد.
في مواجهة فيروس كورونا ،هناك لحظة انسانية وتضامنية ومجتمعية لمواجهة هذا الوباء الجديد وتنفيد الحجر الصحي بشكل تام وعدد من الاجراءات الاحترازية الاخرى ، وهناك لحظة للتأمل والتفكير والمساءلة النقدية للكثير من القضايا وفي نظري ان هناك تداخل وتقاطع بين اللحظتين .
تقتضي اللحظة الاولى التعبئة والدعم لكل المبادرات الإيجابية والحرص على كسب رهان مواجهة وباء كاسح، وتقليل مخاطره ، لكن في نفس الوقت يتوجب من منطلق نقدي وبروح تتوجه للمستقبل وتساءل الحاضر ، ليس فقط من أجل المواكبة النقدية لما جرى على أرض الواقع لانه هو المحك لكل الشعارات والتدابير التي قد تنطلق وردية وتصبح رمادية أثناء التنزيل والامثلة صاخبة، بل التفكير بصوت مرتفع في ما بعد كورونا لان عاصفة كورونا ليست محمولة بالمخاطر الصحية والوجودية بل بعدد من التحديات الكبيرة والتغيرات الجوهرية التي سيشهدها العالم
كما ان البعد الوطني في وعينا وسلوكنا ومواقفنا يجب ان لا يغيب عن دهننا في اي لحظة الخلفيات الفكرية والسياسية والمصالح المتضاربة التي تتحكم في بنية المجتمع وطبيعة السلطة السياسية، والتي ستظل حاضرة.
عولمة الوباء وازمة النظام الرسمالي :
لقد شرعت بلادنا في اتخاد عدد من التدابير والاجراءات الاساسية في مواجهة هذه الجائحة ، ولقد اعتمدت بشكل اساسي الحجر الصحي، اخدا بعين الاعتبار تجربة الصين وإيطاليا وفرنسا ..ووعيا بالإمكانيات المحدودة على المستوى الصحي ، لقد تم اعتماد الحجر الصحي لانه هو الحل الوحيد ،في غياب العلاج او التلقيح ، واتخذت بعض التدابير الاولية على المستوى الاقتصادي والمالي والاجتماعي ..واكيد ان الاغلبية اصبحت واعية بالاختلالات العميقة في العديد من المجالات وفي مقدمتها القطاع الصحي … والسياسات التي قادت الى الوضع الحالي.
لقد كشفت هذه الازمة ليس فقط في بلادنا بل في العالم مخاطر النظام الرأسمالي ، الذي كرس وعمق الفوارق الاجتماعية والمجالية في كل بلد وبين الدول التي تخضع اغلبيتها وخصوصا في العالم الثالث للسيطرة والتحكم من طرف المراكز الرسمالية والامبريالية كل ذلك في ظل العولمة الليبرالية وسيطرة الشركات المتعددة الجنسيات واللوبيات الاقتصادية والمالية القوية التي أضحت المتحكم في الدول وسياساتهاوانظمتهاوحياتهاالاقتصاديةوالاجتماعية والسياسية والثقافية والاعلامية.
الطابع التدميري للنظام الرأسمالي واثاره السلبية ليس فقط على البشر في حياتهم وحقوقهم ومعيشتهم بل على مستوى البيئة والامن والسلم وتهديد البشرية ككل …وكما كشفت الأزمة الاقتصادية والمالية لسنة 2008 الأفق المسدود للرأسمالية وحتمية انتصار البديل الاشتراكي ،لقد وجدت
عدد من الدول وخصوصا في اوروبا امام تداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة من جراء انتشار الوباء اغلاق الحدود ووقف التنقل بين الدول و وتوقف الكثير من المؤسسات والشركات والمقاولات الاقتصادية في مختلف الميادين وفقد الملايين عملهم واصبحوا مهددين في معيشتهم .. ..ناهيك عن متطلبات صحية وغذائية واقتصادية ومالية كبيرة لمواجهة الوضع الخطير …وبدا واضح ان لا سبيل غير تدخل الدولة مع العلم ان البعض يتهم بعضها بالتأخر لاعتبارات اقتصادية ومالية ومصلحية مثل فرنسا، وبشكل سافر انجلترا التي حاولت ان تنهج طريقا خاصا في البداية يتمثل بترك الفيروس ينتشر لاكتساب المناعة وعدم اعتماد الحجر الصحي واستمرار الحياة بشكل طبيعي ،حيث صرح رئيس الحكومة:” استعدوا لتوديع من تحبون ..” ولقد تراجع تحث تأثير الضغط الشعبي.
لقد بادرت مجموعة من الحكومات الغربية لاتخاد تدابير اقتصادية ومالية لمواجهة تداعيات الازمة ، اعادت الاعتبار للدولة والقطاع العام، بل وصل الامر ببعضها كما هو الشأن بفرنسا، ان صرح رئيس الحكومة ان الدولة قد تلتجأ الى تأميم بعض المؤسسات الاقتصادية المهددة بالانهيار.
بالإضافة الى اجراءات وتحفيزات للعاملين في القطاعات الحيوية قصد استمرارهم في العمل في ظروف ومناخ يسود فيه القلق والخوف والبحث عن النجاة. مما يبرز الاهمية الحاسمة للمنتجين والطبقة العاملة والمستخدمين ليس فقط في انتاج الخيرات بل في تأمين الخدمات الحيوية والمصيرية والتي تتطلب الشجاعة والتضحية ونكران الذات وفي مقدمتها العاملين في الميدان الصحي.
كورونا والنمودج التنموي الفاشل:
لقد دافع اليسار الاشتراكي في العالم وفي بلادنا عن مصالح الطبقات الشعبية ووقف ضد الرأسمالية والليبرالية المتوحشة واجراءاتها التدميرية ضد كل ما هو اجتماعي سواء ما يتعلق بالقطاعات الحيوية التعليم والصحة والشغل … وقف اليسار المغربي ضد الخوصصة ومشاريع انهاء القطاع العام ،ولقد اعادت هذه الازمة الاعتبار لأفكاره واطروحاته سواء على المستوى الاقتصادي او الاجتماعي او الفكري.
لقد ترتب عن هذه السياسات الرجعية والبورجوازية المنتهجة الكثير من الكوارث، وجاءت هذه الازمة لتفضح هذه الانظمة وهذه السياسات التي لم تستفد منها سوى اوساط بورجوازية طفيلية تعيش بالريع والامتيازات والاعفاءات الضريبية. وتشكل القاعدة الاجتماعية لنظام الاستبداد والتسلط ، كما انتهجت سياسات عمومية محكومة بتوجهات المؤسسات المالية الدولية ادت الى استهداف العديد من المكتسبات الاجتماعية والقطاعات الحيوية…مما انعكس ذلك على ارض الواقع من خلال تأزيم الوضع التعليمي والصحي و المعيشي.
لقد حان الوقت لمواجهة الاطروحة اللبيرالية وكشف دورها التخريبي للمجتمعات وفضح القوي السياسية والفكرية التي انحازت لها بما فيها قوى وتنظيمات اسلامية تحولت الى ادوات سياسية وايدلوجية للمراكز الامبريالية والرجعية، وخصوصا انهم يتحدثون هذه الايام عن نموذج تنموي جديد يجري الاعداد له وفق تصور مخزني متحكم فيه لا من حيث الاسلوب او المضمون.
لقد رسمت كورونا معالم النموذج التنموي الحقيقي بناء على حقائق زمن كورونا، نموذج مناقض لكل ما هو سائد ،لقد اظهرت الازمة التي يجتازها العالم الاهمية الحاسمة لأي سياسة تدافع عن المرفق العمومي و الاستثمار في كل ما يرتبط بالإنسان صحة وتربية وكرامة وتأهيلا.
وكل ماهو حيوي ومصيري في حياة المجتمعات من صحة وتعليم وثقافة وعلم ونقل وسكن… ودور الدولة المركزي في التخطيط والفعالية ودورها الاقتصادي والاجتماعي، وخصوصا ان الرأسمال ليس فقط جبان كما يقال بل أضحى متوحش بدون اي بعد انساني .
وبدا واضحا دور الدولة في تأمين الخدمات الاساسية
و الحماية الاجتماعية ،انها مرحلة جديدة وعصر جديد.
كورونا وزمن العلم والعقل :
هذه الأزمة سلطت الضوء في بلادنا او في المنطقة العربية عامة عن الدور السلبي للتوجهات الفكرية الرجعيةوالماضوية المعادية للعقل والفكر الحداثي واستغلالها للدين ليس فقط لتحقيق الاهداف السياسية بل من اجل السيطرة على المجتمع ومناهضة حرياته وتطلعاته الديمقراطية والتحررية، هذه التوجهات التي قام الاستعمار والاوساط الامبريالية والرجعية برعايتها وتوفير كل الظروف لانتشارها ليس فقط لمواجهة الفكر التحرري والتقدمي بل لتأبيد التخلف والتأخر وتكريس الاستبداد وهو الوجه الاخر للظلامية.
لقد وقفت هذه التيارات وقفة مشلولة أمام ازمة وباء لا كلام ولا حديث سوى على العلم والطب والبحث العلمي والفكر العقلاني والحداثي ، مما كشف كذلك على التأخر والعجز والضعف الذي تعاني منه مجتمعات تبعية متخلفة.
حرمت من استنهاض امكانياتها الثقافية والحضارية والمعرفية للانخراط في العصر وفي معركة التقدم العلمي والتكنولوجي والتقني، لتظل ضعيفة خاضعة لكل اشكال السيطرة والخضوع.
من أجل اجراءات وتدابير شعبية فعالة وعادلة :
لقد اتخذت الدولة المغربية بعض التدابير الايجابية وبادرت في حملة اكتثاب مهمة ،تفاعلت معها عدد من المؤسسات والشركات والفعاليات والاشخاص اما بشكل تلقائي او توجيهي ،لان الظرف دقيق ويطرح ضرورة تحمل الجميع للمسؤولية وخصوصا ان الكثير استفاد من الريع ومن السياسات اللبيرالية المتخلفة ومن التسهيلات والاعفاءات والامتيازات، بل هناك من استفاد من المال العمومي بشكل دائم و بطرق مختلفة وهنا تحضرنا مشاريع المغرب الاخضر والازرق والقطاع العقاري..الخ.
… وعلى الرغم من وجود مجموعة من المقاولات المواطنة ذات الحس الوطني ، الا ان البعض كشف عن جشعه وتطلعه الى الاستفادة كما السابق من تلك الصناديق ،مما يتطلب يقظة ومواكبة وتتبع من طرف المجتمع الذي يتوجب عليه في الحقيقة ان يطالب باسترجاع الاموال المنهوبة ووضع حد لاحتكار ثروات البلاد ولاقتصاد الريع والامتيازات والتهرب الضريبي والاجور العالية وكذلك ان يتم سن اجراءات ضريبية خاصة على الثروة والشركات الكبرى
ووضع حد لأشكال التبذير التي تنهجه الطبقة الحاكمة.
ان اللحظة تستوجب اعطاء الاولوية للقطاعات الاجتماعية والكف عن تحميلها مسؤولية الازمات وفي مقدمتها الصحة والتعليم والسكن والشغل …وادا كانت ازمة كورونا قد كشفت اوضاع مستشفياتنا وامكانياتنا الضعيفة في الميدان الصحي على جميع المستويات…فانها طرحت الحاجة الماسة لاصلاح التعليم وتطويره وتوفير كل الامكانيات لتعليم عصري ومتطور وفي هذه الايام العصيبة فرغم المجهودات المبذولة بعد اغلاق المدارس في اطار التعليم عن بعد من طرف الاطر التربوية والإدارية الى ان ذلك تواجهه عدد من الاكراهات المرتبطة بأوضاع الاسر وافتقارها للربط بالأنترنيت والوسائل التكنولوجية للتواصل والتعلم عن بعد…
ان وضعية شبابنا الذي يعيش اوضاع قاسية ليس فقط بسبب البطالة بل بسبب الفقر والتهميش وما ينخره من امراض وانحرافات تنهش صحته وعقله كتعاطي المخدرات وسقوطه فريسة للضياع والتطرف.
ان افتقاد العديد من الاسر لظروف سكنية ملائمة ..مما جعل الحجر الصحي لمئات الالاف الشباب والاطفال في بيوت تفتقد لأبسط مقومات السكن الى سجن حقيقي .. مما يطرح معضلة السكن وازمته وكيف تم استغلالها من طرف لوبيات عقارية انتجت مساكن رديئة وتفتقد لروح الحياة.
ان الدولة ملزمة باتخاذ تدابير ملموسة ومتواصلة للفئات
المتضررة من جراء تداعيات الازمة الاقتصادية اجراءات دقيقة وشاملة لحماية الطبقة العاملة والكادحين …بما فيها تامين معيشة عدد من المواطنين الذين فقدوا مورد رزقهم وليس له اي امكانية للاستفادة من تعويض صندوق الضمان الاجتماعي والذين بدون ماوى وبدون عمل، ويواجهون اوضاع صعبة.
كما يجب توقع ان عدد من الاختلالات قد تحصل في تزويد السوق بحاجياته الغذائية والصحية لعدة اسباب، كالنقل او نقص اليد العاملة او حالة الخوف والهلع التي قد تشل العديد من المنتجين او العاملين في غياب وسائل للوقاية الصحية. …يجب مواكبة ذلك بإجراءات و تعويضات تحفيزية للعاملين في القطاع الصحي والغذائي والنقل و…
في مرحلة حالة الطوارئ يجب التقيد بالقانون واحترام حقوق الانسان ومتابعة ومسائلة كل من تبت انتهاكه لكرامة المواطنين او استهدافه لحقوق الانسان .
www.attarik.net
بقلم رشيد الإدريسي بجريدة الطريق في العدد الخاص.