رسالة محمد زيان : مسؤوليتنا الأخلاقية والتاريخية تفرض علينا النهوض الجماعي لإنقاذ ما تبقى من كرامتنا.

وجه المحامي محمد زيان رسالة إلى زميلاته وزملائه في هيئة الدفاع للتنبيه بتقهقر منسوب الحرية والعدالة و ضرورة الترافع من أجل الحفاظ على كرامة العدالة، وأشار إلى مسؤولية المحاماة الأخلاقية والتاريخية تفرض على الهيئة النهوض الجماعي لإنقاذ ما تبقى من كرامة المهنيين في القضاء ، ولجعل من الخروقات الفاضحة والمعاملة الإنتقامية المكشوفة لجهات دات أجندة مختلفة؛ وهاهي رسالة زيان كالتالي :
زميلاتي زملائي،
أكتب إليكم اليوم بعد صمت دام سنوات، آثرت فيه عدم الخوض في الشأن المهني ليس ارتضاء بما آلت إليه أوضاعنا بل رغبة في عدم التأثير على قناعاتكم بكون مهنتنا قد وصلت لأدنى مستويات المهانة كانت بدايته عند اختلاط الطموحات المهنية بملفات تحديد الأتعاب والتغاضي عن عيوبنا، وهو نتج عنه تمثيليات خانعة، ونيابة عامة مهيمنة على قطاع العدل بكافة أجنحته، كما أني على ثقة راسخة في أن ضمائركم الحية والمشبعة بأسمى معاني العدل والمساواة وحقوق الإنسان كافية وحدها لتقودكم نحو الصواب والإنتفاضة على طغيان الظلم وسيادة الانتقام على العقاب، والكراهية على التسامح.
زميلاتي زملائي؛
منذ أن بدأنا معركة استقلالية القضاء، لم نتوقع يوما أن جهاز النيابة العامة سيقوم بالسطو على نضالاتنا لتحقيق مآربه باستعمال مزيد من التسلط والقمع، وترسانة قانونية تساهم في إفلاته من الرقابة والمساءلة خدمة لأجندات خفية تجر مغربنا نحو مزيد من النهب واستنزاف الثروات، بل كانت إرادتنا ومازالت ترنو نحو استقلالية القضاء الجالس، والرفع من مكانته وهيبته وكفائته حتى يضطلع بدور ريادي في منظومة العدالة من خلال التطبيق السليم للقانون بكل جرأة وحياد، دون أن تتدخل في قناعته أي اعتبار لحاجة مادية أو طموحات مهنية أو أجندات أمنية، بما يجعله ضامنا للمساواة وتكافئ جناحي العدالة دفاعا ونيابة عامة، وكتابة ضبط مستقلة وشاهدة على تصرفات الجميع .
غير أن تطور الأحداث كشف سعي جهة دون أخرى نحو التغول والهيمنة، متغافلة أن رسالة العدل بكافة مؤسساته هو تحقيق العدالة لفائدة المواطن وتمتيعه بالأمن القانوني باعتباره الركيزة المحورية للعمل القضائي، وهو ما لم يتحقق البتة منذ صدور ما أطلق عليه بقوانين ومراسيم استقلالية النيابة العامة عن السلطة التنفيذية، وتوالت الصدمات تلو الأخرى ونحن نرى كيف يتقهقر منسوب الحرية والعدالة يوما بعد يوم بخطوات متسارعة، دون أدنى احترام لما راكمه وطننا بفضل أصوات وأقلام المحامين من طفرة حقوقية واجتهادات قضائية وترسانة قانونية، فلا المرافعات أصبح لها معنى، ولا القانون وفصوله أصبح لها اعتبار، ولا الإجتهاد القضائي أصبح له استقرار، فقط إشارات خفية من النيابة العامة كافية لجعل القانون مجرد أشعار يتغنى بها الغاوون، والمرافعات عبارة عن صراخ أجوف يصم الآذان، والاجتهادات ليست سوى أطلالًا من الماضي لا تنفع سوى عشاق التاريخ وتأثيث الخزانات.
زميلاتي زملائي؛
على الرغم مما جرى ويجري داخل قطاع العدالة ظل المحامون في غالبيتهم متمسكين بصفاء رؤيتهم، ومؤمنين في أن مشروع إصلاح العدالة وبالرغم من المساحيق التجميلية التي أثثت واجهته، قد عرف انتكاسة حقيقية، وانحطاطا لم يعشه حتى في حقبة ما أطلق عليه بسنوات الرصاص، حيث كان الدفاع يصول ويجول في ردهات المحاكم في طليعة المدافعين عن المتهمين في الإنقلابات على ملك البلاد، دون أن يمسسهم سوء أو يعترض عملهم عائق، بل على العكس من ذلك كانت مكانتهم ووضعيتهم الإعتبارية تزداد احترامًا وهيبة في كافة الأوساط نظرا لما يقومون به من أدوار في تكريس مبادئ دولة الحق وسيادة القانون.
زميلاتي زملائي؛
إن ما يزيد عن نصف قرن من ممارستي لمهنة النبلاء، يشفع لي في أن أقدم لكم شهادتي على ما آلت اليه أمور مهنتنا، ذلك أننا بلغنا أسفل درجات المهانة واصبحنا نحس ببرودة الحضيض ، في أزمة لم يشهدها تاريخنا المهني المشرف منذ الإستقلال، وقد أضحى من الواضح أن هناك مساعي حثيثة لتحول المحامون من مدافعين عن رسالة إلى مجرد كتاب عموميين ينقلون شكايات المواطنين الى المحاكم دون أدنى اعتبار لدفاعهم ومرافعاتهم، وهو ما أصبح يفرض علينا ثورة حقيقية على هذه المؤامرات الخبيثة، تنطلق أساسا من تنظيف ذواتنا وضمائرنا نحو مزيد من التآخي والتعاضد، وتفرض علينا حضورًا وازنًا في كافة محطاتنا النضالية وليس قانون مهنتنا بالبعيد، ومحاربة مكثفة لأي ثقافة معيشية او مهادنة بدواعي العقلانية وضبط النفس، والتي لا يراد من ورائها سوى مزيدا من التشرذم والاستفراد، فالكرامة لا تقبل أية مهادنة، والعزة لا تحتمل التجزيء، ورسالة الدفاع أصبحت تفرض أكثر من أي وقت مضى مواجهة شرسة مع قوى النكوص وعرابي الخوف والقمع.
إن مسؤوليتنا الأخلاقية والتاريخية تفرض علينا النهوض الجماعي لإنقاذ ما تبقى من كرامتنا، ولنجعل من الخروقات الفاضحة والمعاملة الإنتقامية المكشوفة التي شابت محاكمة زميلنا الأستاذ عبوز المحامي بهيئة الرباط، النقطة التي يفيض بها كأسنا، وترياق استفاقتنا من السبات القاتل، فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النقيب محمد زيان
الرباط 19ماي 2020