افتحاصات الإدارة الترابية وقفت على نماذج كثيرة من الاختلالات تورط فيها منتخبون
لم يعد المنتخبون يتورعون في ربح الأموال من خلال علاقات متشعبة مع المقاولات، إذ يقف المواطنون دائما على الأشغال نفسها، تبليط الجدران، غرس النباتات، إصلاح النافورات، وضع الزليج على الأرصفة، إعادة ترميم الشوارع الرئيسية. مرة يكون ملتقى الطرق دائريا وسطه أشجار، ومرة أخرى صغير الحجم بنباتات زاهية، ومرة يوضع زليج بلون رمادي، وكل مرة يتغير شكل الملتقى، وأشكال الزليج القابل للعطب، إضافة إلى تعديل «تروتوار» الرصيف، وهي أمور تثير إشكاليات.
وأوضح مثال شارع محمد الخامس بالعاصمة الرباط قرب بوابة البرلمان، قيل إنه تم تزيينه بخمسة ملايير درهم قيمة رخام، واتضح في الأخير أن قطعا متسخة من أردأ أنواع الزليج التي وضعت، كما أن نافورات الشارع دائمة العطالة، مثل الشباب العاطل عن العمل الذي يحتج دائما في هذا الشارع، والتي إن تشتغل الواحدة منها تتعطل الأخرى.
حينما أجرت مفتشية الإدارة الترابية افتحاصات، وقفت على نماذج كثيرة من الاختلالات، كما وقف قضاة المجلس الأعلى للحسابات، وقضاة المجالس الجهوية للحسابات، على الاختلالات نفسها، بل تم فضح حجم الضرر الذي يتعرض إليه المواطنون بفعل سياسة عرجاء تتجه نحو هدر المال العام على مشاريع وهمية أو ناقصة أو عشوائية، لكن حينما يصدر حكم قضائي ضد منتخبين فاسدين بالإدانة طبعا، يحتج قادة الأحزاب والنقابات، ويدعون أن هناك سياسة « انتقائية انتقامية»، وينشرون مقالات تدافع عن المدانين، ويتدخلون في البرلمان عبر وضع أسئلة شفوية محرجة، للدفاع عن الفاسدين، كيفما كان نوع الأحكام التي صدرت في حقهم.
و يسارع الزعماء الزمن لبحث حل ودي أو تدخل من جهة لها وزن لتخفيف الحكم أو وضع المعنيين بالأمر تحت مجهر أنهم ضحايا العمل السياسي لحشد الدعم الحقوقي، والمدني ويصبح المدان ورقة تفاوضية للعب دور ما في مسرح السياسة. وعلى مقربة من بداية الحملات الانتخابية، يتجه المدانون مباشرة إلى المحاكم لرتق بكارة النزاهة عبر كلمة استصدار حكم «رد الاعتبار» وهكذا يحصلون بواسطته على التزكية، ويشاركون في الانتخابات ويصرفون أموالا طائلة على الحملة، ويفوزون في الانتخابات، بل منهم من قدم رشاوي في مجالس الغرف المهنية، وهو مرشح وحيد، كما استنتج المجلس الدستوري في أحد أحكامه، قبل أن يحمل اسم المحكمة الدستورية، ليقف المغاربة مذهولين أمام هذه المشاكل المرتبطة بمن يتولى تدبير سياسة القرب ولماذا تفشل المشاريع التنموية في تحقيق أهدافها؟
وانتخابات الغرف المهنية تعتبرريعا إضافيا يحصل عليه المنتمون إلى الأحزاب أيضا رفقة النقابيين الذين يتسابقون بدورهم على نيل مقاعدهم بمجلس المستشارين، ويحصل كل واحد على حصته من الريع من الوزارة أو البرلمان، أو مجالس الغرف المهنية، أو النقابية، أو مجالس العمالات والأقاليم والمجالس الجهوية والبلدية، وقد يعترض البعض على اتهام النقابيين بأنهم مدافعون عن الكادحين، لكن واقع الحال يؤكد أنهم الأكثر الاستفادة من الريع، إذ يحصلون على التفرغ النقابي طيلة حياتهم لأجل تحقيق مآربهم في الترقية السريعة بالإدارات التي لا يلجون إليها، وفي العمل الحر بالمقاهي أوغيرها.
37 مليارا في مهب الانتخابات
أنجز المجلس الأعلى للحسابات ثلاثة تقارير، الأول يتعلق بتدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص صحة نفقاتها بخصوص الدعم الممنوح لها للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها وتنظيم مؤتمراتها الوطنية العادية خلال السنة المالية 2015، بينما خص التقرير الثاني فحص مستندات الإثبات المتعلقة بصرف المبالغ التي تسلمتها الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية المتعلقة بمساهمة الدولة في تمويل حملاتها الانتخابية لمناسبة 2 أكتوبر لانتخاب أعضاء مجلس المستشارين، فيما يتعلق التقرير الثالث ببحث جرد مصاريف المترشحين الخاصة بحملاتهم الانتخابية والوثائق المثبتة بمناسبة الاقتراع نفسه.
وحطمت الأحزاب السياسية الرقم القياسي من خلال تنويع مواردها المالية، إذ حصلت على 375.46 مليون درهم خلال 2015 ما يعني 37.5 مليار سنتيم متأتية من جيوب المواطنين دافعي الضرائب، مقابل فقط 91.88 مليون درهم في 2014، و88.99 مليون درهم في 2013. واستفادت الأحزاب السياسية من مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية بمبلغ قدره 250 مليون درهم في انتخابات 4 شتنبر الجماعية والجهوية، و30 مليون درهم في انتخابات 2 أكتوبر لمجلس المستشارين، كما تم جرد واجبات الانخراطات والمساهمات التي وصلت إلى 15.02 مليون درهم وموارد استغلال أخرى تعادل 13.12 مليون درهم وعائدات غير جارية بما يناهز 9.54 ملايين درهم. وبالنظر إلى حيثيات الاستفادة المالية اتضح أن 8 أحزاب فقط استأثرت بما نسبته 93.06 في المائة من إجمالي تلك الموارد.