ذ.عبداللطيف أعمو: هل نحن في زمن “الرويبضة”
طلع علينا معد برنامج “ضيف الأولى”، مساء يوم الثلاثاء 13 يونيو 2017، بضيف اعتاد أن يحوم حول فضاء هذا البرنامج ليطلق العنان للسانه، ويتوعد هذا وذاك الشخص، ويتملص من المسؤولية من هذا وذاك الأمر… ،
وقد صدق أبو هريرة رضي الله عنه حينما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيَأتي علَى النَّاسِ سنواتٌ خدَّاعاتُ يصدَّقُ فيها الكاذِبُ ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ ويُؤتَمنُ فيها الخائنُ ويُخوَّنُ فيها الأمينُ وينطِقُ فيها الرُّوَيْبضةُ. قيلَ وما الرُّوَيْبضةُ يا رسول الله؟ قالَ: الرَّجلُ التَّافِهُ ينطق في أمرِ العامَّةِ)
فعلا إننا في سنوات خدَّاعاتُ ينطق فيها المسؤولون الحزبيون على هواهم، كأننا في حديث مقاهي. نحن فعلا في زمن يسود فيه “الرويبضة” وهو العاجز الذي ربًض عن معالي الأمور وقعًد عن طلبها، والغالب أنه قيل للتافه من الناس لُِربُوضِه في بيته، وقلة انبعاثه في الأمور الجسيمة “.
وقد تنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم بأمور ستصير في مستقبل الأيام، وهي حاصلة في واقعنا اليوم، منها: أن يتمكن التافه من الكلام، و الأصل أن يتكلم العاقل الحكيم ويفتي في أمور العامة ذوو العقول، والمدارك والآراء السديدة وأهل البصائر.
فإذا استرقنا السمع وأمعنا التفحيص في كلام المسؤول الحزبي المعلوم، لا نرى حكمة ولا تبصرا ولا عقلنة في التحليل.
ومما يزيد المشكلة عمقاً ومساحة أن يكون هذا “الزعيم” وأمثاله ممن يتناول الشأن المحلي وأمور الجماهير، مساهما من خلال خطابه الرويبضي في التقليل من وزن مهامه الانتدابية التي خول له أمر حل عقدها وفك طلاسيمها، مبرهنا عن عجز مزمن في الأخذ بزمام الأمر، والتهرب من المسؤولية … فاستخف الزعيم الرويبضة بقيمة الجهات: وما بالتباكي … تسير الجهات سيدي الرئيس!
فالزعيم يبادر ولا يتباكى، ويطرق الأبواب الموصدة، ويتواصل بحكمة وذكاء، ولا يلتمس الأعذار. ورؤية القيادي هي أن يرى الأشياء الغير المرئية ويستبقها.
فالزعيم “الرويبضة” أكثر من الاعتذار عن قلة حيلته وعجزه، والتمس العذر لنفسه كرئيس للجهة ، والتمس العذر كذلك لرؤساء الجماعات الترابية التابعة للجهة، بشأن مسؤوليته في المساهمة في إيجاد الحلول للمشاكل التنموية التي يتخبط فيها إقليم الحسيمة، والتمس العذر للطبقة السياسية، محاولا تصفية حساباته الدونكيشوتية مع اللآمركزية واللآتمركز، ومع السلطة التنفيذية، باحثا عن كبش فداء مثالي في شخص وزراء حزب التقدم والاشتراكية تحديدا… ليغطي بغربال التباكي شمس فشله الذريع في تدبير المرحلة بحزم وثبات.
ومما يزيد المشكلة عمقاً أن يساهم هذا الزعيم “الرويبضة” في تبخيس كل شيء في محاولة يائسة لرد الاعتبار لشخصه وحزبه، ويقوم بتضليل الرأي العام، والاستمرار في مسلسل تزوير الحقائق ونشر البهتان وتوجيه العامة إلى مستوى طرحه السطحي المليء بالإيحاءات المغلطة، أحيانا بخصوص لائحة 23 رئيس جماعة مستقيلين من مهامهم منتمين لحزبه، والتي ورد في العديد من الردود في موضوعها أنهم فعلا استقالوا، وجاءت الاستقالة على خلفية احتجاجهم على أمين حزبهم وليس ضد الحكومة (شهادة سعاد شيخي، برلمانية سابقة وعضو فريق العدالة والتنمية بمجلس جماعة الحسيمة)، وأحيانا أخرى، في حق وزراء بعينهم، وهم أساسا وزراء حزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد الله (وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة) والحسين الوردي (وزير الصحة) دون غيرهم، متفاديا إقحام وزراء آخرين معنيين مباشرة بقضية محسن فكري (الداخلية ووزارة الفلاحة والصيد البحري…) – ربما لأنهم ثعابين يصعب عليه ابتلاعها – فانقض على وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة (دون ذكر اسمه وصفته) و معتبرا إياه نكرة، ومتهما إياه بعدم الالتزام مع الجهة برسم 2015 و 2016. والحقيقة أن وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، أكدت في بلاغ لها حول التأخر المزعوم في الإفراج عن الدفعة الأولى من الحصة أن الوزارة التزمت بالمساهمة في إطار برنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة “الحسيمة منارة المتوسط” بمبلغ 420 مليون درهم، مع تحديد 50 مليون درهم كدفعة أولى للشروع في تنفيذ الأشغال، وأن الوزارة قد احترمت التزاماتها حسب مراحل التنفيذ والدفعات المالية المبرمجة.
ولن نتحدث هنا عن تكذيب وزير الصحة البروفيسور الحسين الوردي لما يروجه رئيس جهة طنجة تطوان من أقاويل مجانبة للحقيقة حول الاتفاقية التي أبرمتها وزارة الصحة مع جهة طنجة تطوان. مما جعل السيد الرئيس في موقف محرج وغير محسود عليه.
ومما يزيد الأجواء ترديا أن يواصل هذا الزعيم بنبرة المتعالي والفاقد لبوصلة الرزانة والتعقل والرشد وصف محمد نبيل بنعبد الله، وزير السكنى والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، بأنه “ما فاهم والو”، مبرزا بنبرة لا تقل سخرية واستهتارا بأن سكان الحسيمة كانوا ينادون بنعبد الله في سنة 2004، بعد الزلزال الذي ضرب المدينة بـ”الصحاف”، تشبيها له بوزير الإعلام العراقي في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين !
فما بهذا الأسلوب المتدني تتم الدعوة إلى إعادة الثقة بين إقليم الحسيمة والسلطة المركزية، ولا بإرسال التهم ذات اليمين وذات الشمال. فلا تحتقر كيد الضعيف، سيادة الرئيس !
فمن كنف هذا الحزب، الذي ترميه بأقبح النعوت، ولدت قاعدة حزب الأصالة والمعاصرة في الحسيمة، ترهيبا وإغراءا وتخويفا… بدعم من الإدارة، فكان لأصحاب الجرار أن استقطبوا الدكتور محمد بدرا (عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ورئيس بلدية الحسيمة منذ 2003). وبقيت نواة الحزب النشيطة قائمة تقاوم ضغط الجرار ومن معه بمنطقة الريف. وهذا ربما ما لم يستسغه الزعيم…
إن الإزدواجية في الخطاب من سمات “الرويبضة”، فقول الشئ ونقيضه في جملة واحدة، ليس من صفات الزعماء، فحسب قوله فالسيد الرئيس يعرف ويحترم حزب التقدم والاشتراكية، ويعرف الحزب جيدا قبل محمد نبيل بنعبد الله، ويحترم رموزه ومناضليه، ولم يسبق له في الماضي ولا الحاضر وحتى مستقبلا (سبحان عالم الغيب !) أن مس برمز من رموزه. لكنه ينكر كل ذلك لأمينه العام الحالي، كأنه مخول لتوزيع صكوك الغفران والنياشين لمن “جاء على “كـانته المبجلة”.
كما أن التلميح بالتهديدات وبضبط النفس في الآن نفسه من مقومات السياسي المتذبذب : فهو يلمح بكونه يضبط النفس لكي لا يقول … ولا يفضح هذا وذاك … وأنه سيقول، وأنه يتمالك نفسه ويضبط أعصابه كأنه مالك لعلبة باندورا boite de Pandore… يفتحها متى شاء ويغلقها على هواه، هي كذلك من ملازمات وصفات الرويبضة.
فكثيرة تلميحاته إلى أنه “فيما مضى كان يتحاشى الرد على الاتهامات الصادرة عن هذا وذاك والتي تحمل أحيانا عبارات القذف والتجريح في حقه وفي حق حزبه،… واضعا نفسه في خانة “الضحية”، أو أنه ” يلتزم اليوم بعدم التصريح بكدا وكدا… ” وظل يردد على مسامع من يود سماعه من عقلاء هذا الوطن بأنه ” لن يدلي مرة أخرى بأي تصريح مجانب للصواب، وأنه سيتعاون مع جميع الأحزاب … من أجل مصلحة الوطن ” وفي آخر المطاف تعود حليمة لعادتها القديمة كلما امتد ميكروفون أمام شاربيها.
لقد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في وصف الزمن الذي يصول فيه الرويبضة بالسنوات الخدّاعات، ذلك لأن الأمور تسير خلاف القاعدة، فهل نحن اليوم في زمن الرويبضة ..؟؟؟
زمن العاجز الذي ربض عن معالي الأمور وقعد عن طلبها، فلا هو رضي بمهام رئيس الجهة وجند لها طاقاته، ولا هو رضي بمهام رئيس الحزب وجند لها قيم الثبات والاستقامة والوضوح والكاريزما، ولا هو اتسم بالتبصر والرؤية المتزنة التي يفرضها الحوار المسؤول بين الفرقاء السياسيين، انتصارا للوطن .. ولا شئ غير الوطن.
والأكيد هو أن هذا الخروج الإعلامي المدبر للسيد الرئيس لم يكن موفقا، لا في وضع مناظرته حول حراك الريف في سكتها الصحيحة، ولا في خلق منبر للنقاش البناء المثمر ولا في مد جسور متينة للوساطة السياسية بين الدولة والمواطنين.
إن المرحلة حبلى بالتساؤلات المؤرقة والعويصة بشأن الحركات الاحتجاجية وعمقها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي…، لكنها كذلك حبلى بالآمال.
فربما أن المتابعة الإدارية للمشاريع ولتنفيذها لم تتم بالشكل المطلوب، وربما أن الوساطة من خلال الهيئات المنتخبة وهيئات المجتمع المدني لم تتم بالشكل المطلوب.
ربما أن التقطيع الجهوي لم يراعي بشكل جيد مقومات منطقة الريف، وخصوصياتها… ولم يعتمد المقاربة التشاركية بالشكل المطلوب.
إن الخروج من وضع الوهن والضعف والتردد وعدم وضوح الرؤية ممكن، إذا ما تحملت النخب السياسية مسؤوليتها. لكن انبعاث النخب المسؤولة يتنافى مع تصرفات “الرويبضة”.
ونحن حقا اليوم في زمن الرويبضة. وها هي السنوات الخدّاعات قد أتتنا، وقد نطق الرويبضة علناً و اعتلى المنابر . نسأل الله السلامة، وكفانا الله وإياكم شر الرويبضة.