ذكرى رحيل المناضل احمد بنجلون.بقلم رشيد الادريسي.
الذكرى الثالثة على رحيل القائد الفذ أحمد بنجلون ..ثلاثة سنوات على رحيل سيد الحلم وعاشق الحرية التي خباها بين ضلوعه حتى لا تسقط بين يد جلاد فقد ادميته، كان أحمد الإنسان هو أحمد القائد السياسي ،صادق في مشاعره كما في مواقفه ،
أحمد صاحب القامة الشامخة، النظرة المتقدة والثقافة الواسعة والموسوعية والذكاء اللامع والشخصية القوية التي نسجتها ظروف وتجارب ومعاناة ، لكن أبرز شيء فيها هو تلك الشجاعة النادرة، شجاعة انسان وشجاعة سياسية ، يقول موقفه المؤمن به وينصرف، له قدرة على الإبداع في صياغته اللغوية المتجددة دائما وأعطائه معاني تاريخية، فالتاريخ وخصوصا تاريخ كفاح الشعوب ،كان بالنسبة إليه منبعا وموجها ، كما التاريخ هو تاريخ مشترك ومصير الإنسانية هو مصير واحد ،ولذلك كان امميته بارزة في كتابته وتحليله ومواقفه ..مؤمن ان الاشتراكية هي أفق ومستقبل كخيار بديل لنظام الاستغلال والظلم
ولذلك كان دائما يربط الفعل السياسي بالخيار الاستراتيجي بعمقه الفكري والثقافي ولذلك كان حازما في مواجهة وخوض الصراع الفكري الأيديولوجي مع الفكر البورجوازي بكل تلاوينه اللبيرالية والمحافظة حاسما في فضح مختلف أوجه النزعة الاستبدادية والرجعية في الحياة السياسية والثقافية ،
وخصوصا انه عاش مأساة اغتيال شقيقه عمر بنجلون وهو الاغتيال الذي كشف تحالف الاستبداد والظلامية وهو التحالف الذي تواصل وتقاسم الأدوار في مواجهة تطلعات الشعب التحررية التي هي في عمقها منافية لكل ماهو رجعي وتسلطي وظلامي
ولأنه كان واعيا ان تاريخ البلاد لم يكن حافلا بالنضالات والتجارب والتضحيات ،بل عاش الانتكاسات التي لم يكن سببها الأخطاء فقط بل تسرب الأفكار الانهزامية والوصولية والانتهازية وأضرارها الفادحة على مجمل الحركة التقدمية
ولذلك كان حاسما في نقدها وفضحها فكريا وسياسيا و عدم التسامح معها ومع رموزها، وهو في كل ذلك وفي لمبادئه ومنطلقاته الثورية، ورغم أن ذلك كان يجلب له خصومات الا انه كان يدرك أن العمل السياسي يستلزم الوضوح ، وأنه لا مصلحة له خارج مصلحة الانتصار لكفاح الشعب ، وهو ما جعله يعيش مبادئه في مسار حياته ومهنته وعلاقاته..ومع ذلك كان منحاز لكل ما هو إنساني كيف لا وهو الانسان المرهف والعاطفي الذي تفضحه دموعه في لحظات انسانية وخصوصا أثناء توديع ورثاء رفاقه الذين يختطفهم الموت،حيث تكشف أن قوة شخصيته تخفي وراءها انسان مرهف الإحساس والمشاعر النابعة من عمق إنساني متميز، والذي اقترب منه يدرك ذلك ويدرك وفاءه رفاقه
كان أحمد وحدويا يعتبر وحدة اليسار المناضل هي أفق مستقبلي، وان العمل من أجل ذلك يتطلب المتابرة والحوار والعمل المشترك وتجاوز أخطاء الماضي الذي لم يكن في مصلحة نضال الشعب الكادح
كانت لأحمد قدرة هائلة في كشف شعارات واظاليل النظام وجوقته ، ولم ينخدع يوما بالكثير من الخدع التي كان ينظر لها أنها مثل الافخاخ تسقط باستمرار الضحايا في شباكها، حيث كانت له قدرة خارقة على كشف تلك الوجوه الانتهازية ولو كانت لا زالت في بدايتها ،
كان قائدا سياسيا وفكريا وتنظيميا ، صهرته التجارب والمعارك ، ومع ذلك يقف الإنسان مشدودا لغنى مساره وتنوعه، ولكن اهم شيء هو روح التجديد والقدرة على مواكبة حركية المجتمع والفكر والمعرفة وبخصوص أنه كان قارئا كبيرا باللغتين العربية والفرنسية لجديد الفكر والثقافة مهتما بالفن والإبداع بكل أشكاله،ساعدته قوة ذاكرته
لقد كان رحيله قاسيا ومؤلما وخسارة لا تعوض،لكن ذكراه وما يرمز إليه من قيم ومبادئ وخصال سيظل نبراسا يضيئ مسيرتنا من أجل الحرية.