ذكرى استرجاع وادي الذهب تجدد الدعوات لضم الأراضي وراء “الحزام الأمني”
خلد المغاربة أمس الأربعاء الذكرى 45 لاسترجاع إقليم وادي الذهب من الاحتلال الإسباني. ويعد هذا اليوم مناسبة للتذكير بالمسار الذي قطعته المملكة من أجل الاستقلال عن الاستعمار وتحقيق الوحدة الترابية؛ كما يعد فرصة لاستحضار عمق الروابط التاريخية التي تجمع المغاربة بصحرائهم والتضحيات التي قدموها فداء لها.
وجدد نشطاء ومهتمون بقضية الصحراء المغربية مطالبتهم، في هذه المناسبة، باسترجاع وضم أراضي ما وراء الحزام الأمني في الصحراء المغربية، استكمالا لمسلسل الانتصارات الدبلوماسية والميدانية التي حققتها المملكة في هذا الملف خلال السنوات الأخيرة، مسجلين أن إعلان البوليساريو عن تنصله من اتفاق وقف إطلاق النار يعطي للرباط هذا الحق، كما يمنحها الحق في الدفاع عن نفسها وتأمين حدودها؛ فيما يؤكد خبراء في القانون الدولي أن هذه المطالب لا تخلو من تعقيدات قانونية وسياسية تدفع المملكة إلى التعامل بذكاء سياسي مع هذا الموضوع.
مطالب أساسية
في هذا الإطار قال مربيه أحمد محمود، ناشط سياسي صحراوي، إن “المملكة المغربية من حقها أن تضم ما وراء الجدار، وهذا مطلب أساسي بالنسبة إلينا كنشطاء مدنيين وسياسيين أبناء الأقاليم الجنوبية للمغرب، لكن في إطار القانون الدولي والأمم المتحدة، لكي لا نعطي فرصا لأعداء الوطن للركوب على هذا الأمر”.
وأشار الناشط السياسي ذاته إلى أن “المنطقة العازلة اليوم هي تحت وصاية الطائرات المسيرة للقوات المسلحة الملكية التي تتعامل بكل حزم مع محاولات التسلل إليها”، مسجلا أن “المطالب لا تنحصر فقط في استرجاع أراضي ما وراء الجدار، وإنما أيضا صحاري بشار وتندوف المغربية، إضافة إلى إعادة إعمار مدينة الكويرة وإقامة مشاريع عليها بما لا يضر الجارة موريتانيا بطبيعة الحال”.
وبين المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المغرب ماض في هذا المسعى بخطوات ثابتة، بما يتماشى مع الشرعية الدولية، لأن المملكة دولة عريقة تتعامل مع الأمور بمنطق سياسي ودبلوماسي حكيم ومتبصر، عكس بعض الدول الأخرى التي ترعى الانفصال”.
استكمال للانتصارات
قال علي بيدا، رئيس الفرع الجهوي لـ”المركز الدولي للدفاع عن الحكم الذاتي بجهة العيون الساقية الحمراء”، إن “الذكرى الـ 45 لاسترجاع إقليم وادي الذهب تعد محطة تاريخية مهمة في مسيرة استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية، ومناسبة يتجدد خلالها السؤال حول وضعية المنطقة العازلة، وهل نمتلك رؤية حقيقية لضمها انسجاما والانتصارات الدبلوماسية المتوالية للمملكة”.
وأضاف بيدا أنه “حان الوقت ليقوم المغرب بحسم المعركة ميدانيا كما حسمها سياسيا، لأن قضية الصحراء المغربية تشهد منعطفا حاسما قد يتجسد في استرجاع المنطقة العازلة شرق الجدار الأمني وبسط السيادة الكاملة عليها”، مبينا أن “الأمر يتعلق بأراض تركها المغرب طواعية لئلا يصطدم مباشرة مع جيرانه، وهي ممتدة على مساحة هائلة تفوق الخمسين ألف كلم مربع”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “بناء الجدار لم يكن يعني بالنسبة للمغرب أن هذه هي حدوده، بل إنه يعتبر امتداده عموديا من طنجة إلى الكويرة، وشرقا وفي الجنوب الشرقي يمتد إلى الحدود الدولية مع موريتانيا والجزائر، وإذا أرادت قوات البوليساريو أن ترد الفعل بحيازة مناطق جديدة في المنطقة العازلة فإن القوات المسلحة الملكية ستضطر إلى تجاوز الجدار واستعادة أراضيها، تماما كما فعلت بالكركرات”.
وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “الوقت حان لاستكمال سلسلة الانتصارات السياسية والدبلوماسية في القضية الوطنية من خلال ضم المنطقة العازلة لأرض الوطن والاحتفال بذلك كذكرى سنوية على غرار ذكرى المسيرة الخضراء واسترجاع وادي الذهب، وهي فرصة لوأد هذا الكيان الوهمي الذي يتشدق مرارا وتكرارا باسترجاعه جزءا من هذه المنطقة العازلة”.
خطوة دفاعية
هشام معتضد، باحث في الشؤون الإستراتيجية، قال: “من منظور الأمن القومي يواجه المغرب تهديدات كبيرة ناتجة عن الخروقات المستمرة لجبهة البوليساريو، التي تزعزع استقرار المنطقة وتعرض سيادة البلد للخطر”، مضيفا أن “ضم وتأمين المناطق المعنية خطوة دفاعية ضرورية لحماية الحدود الوطنية وضمان الأمن القومي، فيما يكتسب هذا الإجراء شرعيته من الحاجة إلى الرد على التصعيد الأحادي من جبهة البوليساريو التي تنتهك الاتفاقيات السابقة”.
ومن الناحية الإستراتيجية والتكتيكية أوضح المتحدث ذاته أن “الاستمرار في عدم الالتزام بوقف إطلاق النار من قبل جبهة البوليساريو يُلزم المغرب باتخاذ خطوات حاسمة لتأمين الأراضي التي تُهدد مصالحه؛ وهي خطوة رغم كونها محفوفة بالمخاطر تُعدّ رد فعل مشروعًا وضروريًا لمواجهة التهديدات المستمرة وحماية الاستقرار الإقليمي، بما يعزز من موقف البلد في الدفاع عن أراضيه ومصالحه الإستراتيجية”.
وأشار معتضد إلى أن “المغرب يسعى إلى تحقيق توازن بين السيادة والدبلوماسية، ملتزمًا بقيم ومبادئ سياسته الخارجية؛ فرغم الحق السيادي في حماية أراضيه فإن القيادة المغربية تفضل تعزيز هذا الحق مبدئيًا من خلال التوجه الدبلوماسي الفعال، الذي يمكن أن يُعزز من شرعية الإجراءات المتخذة، ويقلل من احتمال التصعيد؛ ما يعكس التزام المملكة بالوسائل السلمية لحل النزاع”.
وشدد المحلل ذاته على أن “القانون الدولي يعترف بحق الدول في الدفاع عن النفس، وهو مبدأ أساسي ضمن ميثاق الأمم المتحدة؛ فعندما تقوم جبهة البوليساريو بخرق اتفاق وقف إطلاق النار وتهديد الأمن القومي المغربي من خلال انتهاك الحدود والتسلل فإن المغرب يمتلك الحق القانوني والسياسي والإنساني في اتخاذ إجراءات دفاعية لحماية سيادته وأمنه؛ لذلك فإن أي خطوات منه لتأمين هذه الأراضي تُعتبر مشروعة من الناحية القانونية والسياسية، طالما أنها تستهدف التصدي لتهديدات ملموسة وضمان الاستقرار الوطني”.
وبين المصرح لهسبريس أن “علاقات المغرب مع جبهة البوليساريو تستند إلى اتفاقيات وقف إطلاق النار التي تحدد التزامات الأطراف، وفي حال خرقها من قبل جبهة البوليساريو فإن أي رد فعل من قبل المملكة، مثل تأمين المناطق المتضررة، يُعتبر إجراءً مشروعًا لحماية أمن البلد واستقراره، بما يعزز من مشروعية تحركاته في إطار الالتزامات القانونية الدولية”.
تعقيدات سياسية وقانونية
تفاعلا مع الموضوع ذاته أورد جواد القسمي، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، أن “تجدد مطلب ضم المناطق العازلة ما وراء الجدار الأمني في الصحراء الغربية المغربية، بمناسبة ذكرى استرجاع وادي الذهب، ولو أنه مشروع إلا أنه لا يخلو من تعقيدات سياسية وقانونية”.
وتابع القسمي بأنه “بالنظر إلى الوضع القانوني للأراضي العازلة فهي تعد منطقة منزوعة السلاح وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991، الهدف منها الفصل بين الطرفين ومنع تجدد الأعمال العدائية، وتمهيد الطريق للحل السياسي للنزاع”، مضيفا أن “المغرب التزم بهذا الاتفاق ومازال يحترمه، إلا أن جبهة البوليساريو خرقته مرارا وتكرارا قبل أن تعلن رسميا أنها لم تعد تلتزم بوقف إطلاق النار، في خرق للقانون الدولي”.
وأوضح الباحث ذاته أن “هذا الواقع يعطي للمغرب الحق في حماية أمنه القومي، في انسجام تام مع القانون الدولي، الذي ينص على مبدأ حق الدفاع عن النفس الفردي والجماعي المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يجعل الدفاع عن النفس حقا طبيعيا للدول، مع مراعاة شروط ممارسته”.
وشدد المتحدث ذاته، ضمن تصريح لهسبريس، على أن “المغرب يتعامل بذكاء مع هذا الوضع المعقد، إذ من ناحية يقوم بتأمين أراضيه بما يتماشى مع القانون الدولي، دون تنصله من اتفاق وقف إطلاق النار، ويتماشى مع مطالب الأمم المتحدة في ضبط النفس وعدم التصعيد، ومن ناحية أخرى يعري انتهاكات جبهة البوليساريو وخروقاتها المتكررة للقوانين الدولية، بما في ذلك اتفاق وقف إطلاق النار”.
وسجل القسمي أنه “رغم قدرة المغرب على استرجاع وضم المناطق العازلة ما وراء الجدار إلا أنه يعي خطورة الوضع، وأن من شأن ذلك تعقيد الوضع على الأرض وزيادة حدة التوتر، وإضعاف جهود الأمم المتحدة لحل النزاع، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية لهكذا إجراء على فرص التوصل إلى حل سياسي للنزاع المفتعل”.