دراسة تؤكد ضرورة اعتماد سياسة جنائية لوقف منسوب الجرائم البيئية بالمغرب
يواصل موضوع البيئة إسالة الكثير من المداد بالمغرب موازاة مع “الطفرة” التي وصل إليها تغيُّر المناخ، بما يقتضي أساسا ملاءمة النصوص القانونية والجنائية مع خطورة الوضعية من أجل التخفيف من الجرائم البيئية مختلفة الأشكال والتأسيس لمنطق الاستدامة في التعامل مع المعطى البيئي بالمملكة.
وعلى هذا النحو، أكدت دراسة أكاديمية حديثة الصدور “ضرورة اعتماد سياسة جنائية كفيلة بمكافحة هذا النوع من الجرائم التي تندرج أساسا ضمن ما يطلق عليه بالجرائم البيئية التي تبقى ذات خطورة على المجتمع والبيئة والصحة”.
وأوضحت الدراسة، المنشورة ضمن عدد شهر شتنبر من “مجلة الباحث للدراسات والأبحاث العلمية”، أن “تصفُّحَ التشريعات الخاصة بحماية البيئة بالمملكة في إطار التنمية المستدامة لم تعد كافية لتغطية جل الأفعال والانتهاكات التي تتعرض لها البيئية، بما يستوجب العمل على المزج بين هذه القوانين الخاصة والقانون الجنائي لإنشاء قانون جنائي بيئي يتماشى وخصوصية الجرائم البيئية لكي يسهل على الجهاز القضائي التعامل مع هذا النوع من الجرائم”.
كما لفتت إلى أن “المشرع المغربي، وبناء على عدم كفاية القانون الجنائي في جمع واستحضار جل الجرائم الماسة بالبيئة، وجد نفسه مجبرا على تضمين بعض القوانين الخاصة بتنظيم وتأطير الأفعال التي تخل بالنظام وتقرير جزاءات جنائية بخصوصها، بما يجعلنا أمام مجموعة من النصوص الخاصة المتعلقة بالبيئة والمتمثلة في القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، إلى جانب القانون رقم 36.15 المتعلق بالمياه، ثم القانون رقم 52.20 المتعلق بإحداث وكالة المياه والغابات”.
وذكرت أن “الأحكام العامة المؤطِّرة للجريمة البيئية لم تركز على إعطاء تعريف جنائي أو مفهوم خاص بها تاركة مهمة التعريف للفقه الجنائي؛ فالجزاء عن هذه الجريمة هو مستمد من عقوبات جنائية تقليدية كسلب الحرية أو الغرامة المالية، مما يقف أمام وضع سياسة جنائية منفردة لحماية البيئة والتي تتطلب استحداث بدائل أخرى تتناسب مع طبيعة كل من المصالح المحمية ومرتكب الجريمة”، مشيرة إلى أنه تم التطرق لبعضها، بما فيها الضريبة البيئية التي تمنح حقوق التلوث المقبول بمقابل محدد كنظام معمول به في كثير من النظم المقارنة”.
واعتبرت الدراسة، التي وقفت وراء إعدادها فاطمة الزهراء طهير الباحثة بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “السياسة الجنائية، والتي تدخل ضمنها قواعد القانون الجنائي، يمكنها أن تكون في خدمة السياسة الجنائية البيئية عبر تطويع القوانين في الميدان البيئي”، مبيّنة أن “مسألة حصر نطاق التجريم حسب التوسع الذي أصبحت تعرفه الجريمة البيئية والتغيير الذي طرأ على أركانها، وخصوصا تعاملها مع الركن المعنوي، هو أمر غاية في الأهمية؛ لأن الحقوقي والإجرائي يتقاطعان من خلاله”.
وتأتي هذه التأكيدات الأكاديمية على تطوير النصوص المتعلقة بمكافحة الجرائم البيئية في وقت يوجد نقاش موسع بالمغرب حول هذه النقطة؛ وهي التي تحدث عنها الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، خلال مشاركته بأشغال الندوة الدولية التي كانت قد نُظمت بمراكش، في يوليوز الماضي، تحت عنوان “الجريمة البيئية ودور القضاء في مكافحتها”.
الداكي تحدث وقتها بلغة الأرقام كاشفا أن الجهود المبذولة من لدن النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة في مجال محاربة كل أشكال الجرائم البيئية برسم سنة 2022 مكنت من تحريك الدعوى العمومية في 21 ألفا و645 قضية توبع في إطارها 23 ألفا و297 شخصا.
وفي هذا الإطار، تُصر الفعاليات البيئية، بدورها، على “تسخير القانون لخدمة البيئة ولضمان حق المواطن المغربي في بيئة سليمة خالية من كل ما قد يؤثر عليها ويلحق الضرر بها، سواء تعلق الأمر بتلويث المياه أو الهواء أو الطبيعة او الإساءة إلى المنشآت المائية واستغلالها بشكل مفرط خارج ما هو مسموح به ضمن النصوص القانونية”.